في قاع المحيط الهادئ… “هرم” غامض قد يكشف عن تاريخ مجهول لليابان!

3 د
اكتُشف "هرم يوناغوني" في الثمانينيات باليابان، وهو يثير جدلاً حول أصوله.
البروفيسور ماساكي كيمورا يعتقد بتدخل بشري في بنية الموقع الذي قد يكون عمره عشرة آلاف عام.
مدرسة علمية محافظة تفسر الأشكال الصخرية بعمليات جيولوجية بحتة كالصفائح التكتونية.
التقنيات الحديثة وفّرت صورًا مذهلة لكن لم تُثبت تدخلات بشرية مؤكدة.
هرم يوناغوني يظل لغزًا يحتفظ بسره في أعماق المحيط، محيرًا العلماء والغواصين.
في أعماق المياه الهادئة قبالة جزر ريوكيو اليابانية، يرقد بناء حجري ضخم تحيط به الهالة والأسطورة، حيث يقف العلماء والغواصون أمام تساؤل لم يحسم منذ عقود: هل هو من صنع البشر أم من إبداع الطبيعة وحدها؟
اكتُشف ما يُعرف اليوم باسم "هرم يوناغوني" للمرة الأولى في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما صادف الغواص الياباني كيهاتشيرو أراتاكي أثناء جولاته الاستكشافية تشكيلًا صخريًا متناسق الزوايا، أشبه بأطلال مدينة نائمة. تمتد الكتلة الحجرية على طول يقارب 150 مترًا وارتفاع يبلغ نحو 27 مترًا تحت سطح البحر، لتبدو عن بُعد كأنها هرم مدرّج تتدرج طبقاته فوق بعضها بدقة هندسية مدهشة.
وهذا الاكتشاف شكّل نقطة البداية لسيل من الجدل العلمي الذي لا يزال يتجدد حتى اليوم.
بين العلم والأسطورة
في السنوات اللاحقة، وجد علماء الجيولوجيا أنفسهم منقسمين بشدة حول أصل هذا التكوين المدهش. فالبروفيسور ماساكي كيمورا من جامعة ريوكيو، أحد أبرز من درس الموقع لسنوات طويلة، يجزم بأن البنية تُظهر دلائل قاطعة على تدخل بشري، مشيرًا إلى وجود نقوش وعلامات شبيهة بدرجات وسلالم وطرقات محفورة، كما يرى أن عمرها قد يتجاوز عشرة آلاف عام، أي قبل نهاية العصر الجليدي الأخير. بالنسبة له، تُعد يوناغوني دليلاً على حضارة بحرية طواها المدّ دون أن تترك أثرًا إلا في ذاكرة الصخور.
هذا الطرح يلتقي مع خيال كثيرين ممن يعتقدون أن المحيط يخفي أسرار حضارات ما قبل التاريخ، تمامًا كما تتناقل الأساطير عن مدن ضائعة مثل أتلانتس. وهنا تبدأ الحكاية بالتحول من دراسة جيولوجية إلى لغز حضاري مفتوح على التأويل.
أما المدرسة العلمية المحافظة، فترى أن لا حاجة لاستحضار ماضٍ أسطوري؛ إذ يمكن تفسير الأشكال الصخرية الواضحة بعمليات جيولوجية بحتة، فقد أدى ضغط الصفائح التكتونية وتآكل الرمال والطين إلى تكوين خطوط حادة وزوايا متوازية، تبدو للعين كما لو أنها أعمال نحت منظمة.
التكنولوجيا تُسلّط الضوء
ولأن الجدل لم يُحسم بعد، لجأ الباحثون في السنوات الأخيرة إلى تقنيات المسح الصوتي والروبوتات البحرية المزودة بكاميرات عالية الدقة. أظهرت هذه الأدوات صورًا بانورامية مذهلة لبنية حجرية هندسية الطابع لكن دون آثار مؤكدة لأدوات بشرية أو نقوش واضحة. كل معلومة جديدة تفتح الباب لمزيد من الأسئلة، ليبقى الغموض سيد الموقف.
هذا يربط بين شغف العلماء بالبحث عن الحقيقة وبين حب المغامرة لدى الغواصين الذين لا يزالون يتقاطرون إلى موقع يوناغوني لتأمل المعجزة الحجرية من قرب، بعضهم يشعر بهيبة المكان كما لو أنه في معبد غارق، وآخرون يرون مجرد تحفة جيولوجية فريدة.
ما بين الطبيعة والأسطورة… الحقيقة في الانتظار
اليوم، يظل هرم يوناغوني رمزًا مزدوجًا للدهشة والشك. فسواء كان أثر حضارة مفقودة أم نقشًا صاغته الطبيعة عبر آلاف السنين، فإنه يذكّرنا بمدى ضآلة معرفتنا بما يخفيه أعماق المحيطات. وقد يكون سر الهرم الغارق هذا واحدًا من تلك الأسرار التي تختار المياه أن تحتفظ بها قليلًا بعد، لتغذي فضول الإنسان وتشعل شغفه بالبحث عن جذوره الأولى بين المد والجزر.









