ذكاء اصطناعي

فيروس كورونا لا يترك جسدك فحسب… بل يزرع ضبابًا دائمًا في دماغك!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

يعاني الكثيرون من ضباب الدماغ بعد كوفيد الطويل، مما يؤثر على التفكير والذاكرة.

تشير دراسات إلى أن الفيروس قد يؤثر على "الأمعاء-الدماغ"، مما يضر بالقدرات العصبية.

لا يوجد تشخيص محدد لضباب الدماغ، لكن الفحوصات العصبية قد تكشف القصور المعرفي.

تشير الأبحاث إلى أن بعض الأدوية واللقاحات قد تخفف من أعراض ضباب الدماغ.

تحسن الحالة النفسية يساهم في تحسين الذاكرة والتفكير لدى المصابين بكوفيد الطويل.

يبدو أن رحلة التعافي من فيروس كورونا لا تنتهي دائماً مع زوال الأعراض الحادة، فالكثير من الأشخاص اليوم يواجهون ما يعرف بـ"ضباب الدماغ"، أحد أبرز مظاهر **كوفيد الطويل** التي يصفها المرضى بأنها تغيرٌ في طريقة التفكير والذاكرة والتركيز. هذا المصطلح الذي أصبح شائعاً يعبر عن معاناة حقيقية، حيث يجد المصابون صعوبة في تذكر الأشياء البسيطة أو في أداء المهام الذهنية التي كانت يوماً ما سهلة بالنسبة إليهم.

ويشير مركز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة إلى أن نحو 7٪ من السكان البالغين، أي قرابة 17 مليون شخص، أبلغوا في مارس 2024 عن استمرار أعراض كوفيد الطويل لديهم. وتشير دراسات متعددة إلى أن ما يقرب من نصف هؤلاء يعانون من اضطرابات معرفية تشمل ضعف الذاكرة وتشوش التفكير.
وهذا يربط بين الانتشار الواسع للظاهرة وبين الحاجة المتزايدة إلى فهم أعمق لآلياتها العصبية.


ما هو ضباب الدماغ فعلاً؟

يؤكد الأطباء أن "ضباب الدماغ" ليس تشخيصاً طبياً بحد ذاته، بل وصفٌ لمجموعة من الاضطرابات الإدراكية المستمرة. وتتراوح مظاهره بين بطء معالجة المعلومات، وضعف التركيز، وصعوبة العثور على الكلمات المناسبة أثناء الحديث. وقد يصيب أفراداً من جميع الأعمار بصرف النظر عن شدة إصابتهم الأولى بكورونا. وتشير الطبيبة **ليندسي مكلباين** من عيادة "نيرو كوفيد" بجامعة ييل إلى أن الأعراض تظهر عادة بعد ثلاثة أشهر من الإصابة وقد تمتد بين ستة إلى تسعة أشهر، بل تصل لدى البعض إلى أكثر من عام ونصف.
هذا يقود إلى طرح تساؤلات حول السبب الدقيق لهذه الحالة وكيفية علاجها.

إحدى الفرضيات الحديثة تفترض أن الفيروس قد يظل كامناً في الأمعاء بعد العدوى الأولية، وهو ما قد يؤثر على منظومة **الأمعاء-الدماغ** المعروفة بتأثيرها في القدرات العصبية. كما تشير أبحاث نُشرت في دورية *نيتشر نيوروساينس* إلى أن بعض المرضى يعانون من خلل في **الحاجز الدموي الدماغي**، وهو الشبكة التي تحمي الدماغ من المواد الضارة.


صعوبة التشخيص وتمييز الحالات المتشابكة

لا توجد حتى الآن فحوص مخبرية أو تصويرية محددة يمكنها تأكيد وجود كوفيد الطويل أو ضباب الدماغ، لكن الفحص العصبي والاختبارات الإدراكية يمكن أن تكشف جوانب القصور المعرفي. وغالباً ما يجري الأطباء تحاليل الدم للتحقق من نقص فيتامينات أو اضطرابات الغدة الدرقية أو وجود أمراض أخرى مثل الزهري أو فيروس نقص المناعة، لما قد تسببه من أعراض مشابهة.
وهذا يوضح أهمية التاريخ الطبي الدقيق للمريض للتفريق بين ضباب الدماغ وبين أمراض كالتعب المزمن، واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، أو **انقطاع التنفس أثناء النوم**، التي يمكن بدورها أن تفاقم المشكلة أو تحاكيها.


العلاج والتعايش مع الأعراض


رغم غياب علاج حاسم، فإن الأبحاث تشهد تطوراتٍ مشجعة. فهناك أدوية مثل **N-acetylcysteine** و**غوانفاسين** أظهرت نتائج أولية واعدة في تحسين الذاكرة والانتباه لدى المصابين، خاصة بعد دراسات نُفذت في جامعة ييل. كما تشير ملاحظات بعض الأطباء إلى أن اللقاحات قد تساعد في تخفيف الأعراض لدى بعض الحالات، وإن لم يُثبت ذلك على نطاق واسع.
وهذا يربط بين الجهود الطبية الجارية وبين محاولات إدماج الممارسات اليومية التي تدعم الاستشفاء النفسي والجسدي.

المتخصصون في العلاج السلوكي واللغوي يوصون بطرق يومية لتخفيف الأثر مثل وضع "ميزانية ذهنية" لتوزيع الجهد خلال اليوم، وتسجيل فترات التركيز والانخفاض لمتابعة التحسن، إضافة إلى ممارسة نشاط بدني معتدل يعزز تدفق الدم للدماغ. كما تُشدد التعليمات الطبية على معالجة القلق والاكتئاب اللذين يرافقان بعض المرضى، لأن تحسين الحالة النفسية ينعكس إيجاباً على التفكير والذاكرة.

ذو صلة

أمل في الأفق

ورغم أن ضباب الدماغ المرتبط بكوفيد الطويل يفرض تحديات على المصابين به، فإن معظم الدراسات تؤكد أنه قابل للتحسن بمرور الوقت ومع الالتزام بالعلاج والدعم المتكامل. الأطباء اليوم أكثر وعياً بتعدد العوامل وراء الأعراض، من **الالتهاب العصبي** وخلل المناعة إلى التأثيرات النفسية ما بعد العدوى. ومع استمرار البحث العالمي حول آليات المرض والعلاجات الممكنة، يبدو أن الطريق نحو فهم أوضح لهذا اللغز بات أقصر من أي وقت مضى.

ذو صلة