قطعة جليد عمرها 1.5 مليون عام تكشف أسرار تغيّر مناخ الأرض عبر الزمن

4 د
وصلت قطعة جليدية استثنائية للمملكة المتحدة، تحمل أسرار المناخ لأكثر من مليون عام.
تحفظ هذه العينة معلومات تغيرات البيئة والمناخ من أعماق القطب الجنوبي.
يعكف العلماء على تحليل العينة لفهم أنماط الرياح ودرجات الحرارة التاريخية.
التعاون الدولي يساعد في تحليل العينات لتفهّم التحولات المناخية السابقة.
عملية التحليل تهدف لفهم استجابة الكوكب لتغيرات بيئية مماثلة في الحاضر.
وصلت إلى المملكة المتحدة مؤخراً قطعة جليدية استثنائية قد يتجاوز عمرها مليون ونصف المليون عام، ما أثار حماس الباحثين في مجال علوم المناخ والبيئة. هذه الاسطوانة الزجاجية المتألقة، التي اقتُطعت من أعماق الجليد في القارة القطبية الجنوبية، تحمل بين طبقاتها السميكة آلاف السنوات من التغيرات البيئية التي لم يُكشف عنها من قبل. ويؤكد علماء بريطانيون أن ما تحتفظ به هذه الكتلة المتجمدة قد يغيّر جذرياً الفهم السائد لكيفية تغيّر مناخ الأرض عبر الزمن.
من قلب التجميد إلى مختبرات كامبريدج
الدخول إلى غرفة التبريد القارسة الحراراة التابعة للهيئة البريطانية للمسح القطبي يشبه إلى حدٍ كبير الدخول إلى كبسولة زمنية. وسط أضواء التحذير الحمراء ودرجات حرارة تصل إلى 23 درجة تحت الصفر، صادفت عدسة الصحافة البريطانية صناديق خشبية مرصوصة بعناية، وبينها تبرز تلك المقاطع الجليدية اللامعة والشفافة حتى أن المرء يستطيع رؤية تفاصيل يده خلفها. ترى، ما الذي تحمله هذه القطع من أسرار الطبيعة؟
هذه البيئة المتجمدة تدفع العلماء إلى استخدام معدات خاصة وارتداء ملابس عازلة بالكامل حفاظاً على سلامتهم وسلامة العينات النادرة. وبحسب الدكتورة ليز توماس، المتخصصة في بحوث أنوية الجليد بالهيئة البريطانية، فإن هذه العينة تحديداً تمثل فترة مجهولة تماماً من تاريخ كوكبنا. وهذا يوضح لنا مدى صرامة واستثنائية الإجراءات المتبعة في سبيل الحفاظ على أثر قديم لطالما حلم العلماء بالوصول إليه.
هنا ينتقل بنا الحدث إلى التفاصيل الدقيقة: لمدة سبعة أسابيع متواصلة، سيقوم فريق البحث بإذابة الجليد تدريجياً داخل مختبر مجهز بتقنيات متطورة غير متوافرة في كثير من دول العالم. وعبر هذه العملية، ستُطلق إلى العلن عوالق ترابية، رماد بركاني، وطحالب بحرية دقيقة عالقة منذ دهر، ليتم دراستها عن كثب.
ما الذي تخفيه أعماق الجليد؟
ليس هذا الجليد مجرد كتلة متجمدة، بل هو دفتر سجلّات مناخية دقيقة. وبتحليل هذه العينات، سيتمكن الباحثون من تحديد أنماط الرياح، درجات الحرارة، ومستويات سطح البحر التي سادت الأرض قبل أكثر من مليون عام. وتربطنا هذه المعلومات بأسئلة كبرى تشغل العلماء اليوم: كيف تغيّر المناخ عبر العصور؟ وما الذي قد ينتظرنا في المستقبل؟
عملية التحليل معقدة؛ فالفريق سيعتمد على أجهزة دقيقة مثل مطياف الكتلة المستحث بالبلازما، والذي يقيس حوالي عشرين عنصراً، بين معادن نادرة، أملاح بحرية، ومؤشرات على انفجارات بركانية قديمة. هذه النتائج ستسلط الضوء على التحولات الجذرية التي شهدها كوكبنا، وخاصة خلال مرحلة غامضة تُسمَّى "الانتقال المتوسط للبليستوسين"، حين تبدل إيقاع العصور الجليدية للأرض بشكل لافت.
وهنا، من الضروري ربط هذا الاكتشاف بإطار علمي أوسع؛ فقد مرت الأرض بفترات ارتفعت فيها نسب الغازات الدفيئة، إلا أن ما يحدث اليوم من تسارع في تراكم هذه الغازات ناجم أساساً عن النشاط البشري في القرنين الأخيرين. لذا، تمنحنا هذه الأنوية الجليدية نافذة نادرة لمراقبة كيف استجاب الكوكب مسبقاً لمثل هذه التحديات البيئية—ومن المحتمل أن تساعدنا على استشراف التغيرات القادمة بدرجة أكبر من اليقين.
نقل وتوزيع دولي لعينة فريدة
ومن الجدير ذكره أن استخراج هذه الكتلة الجليدية تطلب تعاوناً دولياً واسع النطاق وتكلفة بلغت ملايين الدولارات. فعلى مدى آلاف الكيلومترات، نُقلت هذه الأنوية بحذر شديد من أعماق شرق القارة القطبية إلى السفن، ثم إلى شاحنات مبردة حتى وصلت سالمة إلى مختبرات كامبريدج. كذلك حصلت مؤسسات علمية مرموقة في ألمانيا وسويسرا على أجزاء من قلب الجليد يزيد طولها عن كيلومترين ونصف، لتعكف بدروها على محاولة فك ألغاز الفترات الدافئة والباردة من تاريخ الأرض.
وهذا البُعد التعاوني يسلط الضوء على أهمية البحث العلمي العابر للحدود في التصدي لتحديات تغير المناخ العالمي وفهم تحولات البيئات القديمة.
خلاصات مستقبلية ومساحة للتحسين
بينما يترقب العلماء النتائج، تظل التحديات قائمة في تفسير كل ما قد يظهر من معطيات جديدة. وقد يكون من المفيد في الطروحات القادمة استخدام مصطلحات أكثر وضوحاً عند شرح تقنيات التحليل، خاصة مصطلحات مثل "مطياف الكتلة" أو "العصور الجليدية"، لدعم إدراك القارئ لتأثيرها العملي. كذلك يمكن تدعيم الربط بين حقائق تاريخية كتغير مستويات سطح البحر وما نشهده في الحاضر من ارتفاع متسارع، بإضافة جمل قصيرة توضح المقارنة. هكذا تقترب الصورة أكثر للمتابع غير المتخصص، ويتحقق هدف المقال في تقريب العلم كصديق ومرشد يسهل فهمه.