كوكب يدور حول نجمه في 24 ساعة وآخر جليدي عملاق يستغرق خمس سنوات… اكتشاف فضائي يقلب المفاهيم

3 د
أعلن فريق من العلماء عن اكتشاف نظام كوكبي نادر حول النجم "WASP-132".
اكتشفوا كوكبًا صخريًا يدور حول نجمه خلال 24 ساعة فقط.
وكوكبًا جليديًا عملاقًا يأخذ خمس سنوات لإكمال دورته.
يحفز الاكتشاف الفهم حول تشكل الأنظمة الكوكبية في الكون.
في حدث فلكي مثير، أعلن فريق من العلماء عن رصد نظام كوكبي نادر حول النجم البرتقالي الخافت "WASP-132"، يضم كوكبين غريبين تماماً في صفاتهما: أحدهما صخري شديد القرب يدور في يوم واحد فقط، والآخر عملاق جليدي هائل يقطع مداره في خمس سنوات كاملة. هذا الاكتشاف يضيف لرصيد المعرفة البشرية حول العوالم خارج مجموعتنا الشمسية، ويطرح الكثير من الأسئلة حول طريقة تشكل وتطور الأنظمة الكوكبية في الكون.
من خلال استخدام تلسكوب "TESS" الفضائي وأجهزة رصد أخرى مثل المطياف HARPS، تمكن الباحثون من الجزم بوجود الكوكب الداخلي المسمى "WASP-132 c". هذا الكوكب هو من نوع "الأرض الفائقة" أي أكبر من الأرض لكنه ما زال أقرب للتركيبة الصخرية منها للغازية. أكثر ما يذهل في أمره أنه يتواجد على بعد 2.7 مليون كيلومتر فقط من نجمه، أي أنه أقرب إليه من كثير من الأقمار الصناعية إلى الأرض. نتيجة هذه المسافة القصيرة، يحلق "WASP-132 c" حول نجمه دورة كاملة في 24 ساعة و17 دقيقة فقط! وتبين الكثافة المرتفعة للكوكب (5.5 جم/سم³) أنه صلب في معظمه، بل أثقل حتى من الأرض، ويقدّر حجمه بنحو ستة أضعاف الكرة الأرضية. هذه المواصفات تجعل منه مثالا نادراً لكواكب يمكن أن تزدهر أبحاثها في سوق علم الفلك اليوم.
وإذا كنا نتحدث عن غرابة الكواكب، فلا بد أن ننتقل إلى الحديث عن الكوكب الآخر في النظام ذاته، "WASP-132 d". هنا، نبتعد كثيراً: فالكوكب الجليدي العملاق هذا يدور على مسافة 406 مليون كيلومتر تقريباً من نجمه، وهي مسافة تعادل موقع حزام الكويكبات في مجموعتنا الشمسية تقريباً. ليس ذلك فقط، بل إن هذا الكوكب أثقل خمس مرات من المشتري، أكبر كوكب في نظامنا الشمسي! ولك أن تتخيل كيف أن ضوء النجم يصل إليه بنزر يسير لا يتعدى 1% من إضاءة الشمس التي يستقبلها كوكب الأرض، ما يجعل بيئته شديدة البرودة ربما تصل لمئات الدرجات تحت الصفر. هذا المشهد يذكرنا بتنوع البيئات الكونية، ويحفزنا لفهم كيف تستمر الحياة أو الكيمياء المعقدة حتى في العتمة الشديدة والبرد القارص.
أما لماذا تثير هذه المجموعة اهتمام العلماء، فذلك لأنها تقدم نموذجاً حياً، معاكساً لبعض النظريات القديمة حول تطور الكواكب العملاقة. كان يعتقد الباحثون أن الكواكب الشبيهة بالمشتري "الحارة"، أي تلك التي تقترب كثيراً من نجمها، تطيح بالكواكب الأقل كتلة من مداراتها وتنفيها بعيداً أو تطردها تماماً من النظام. لكن في "WASP-132"، ظلت الأرض الفائقة في مدارها الداخلي رغم وجود العملاق البارد بعيداً في الهامش. الباحثون يقترحون أن "WASP-132 c" ربما تمكن من الحفاظ على مداره دون أن يتأثر بوجود العملاق الآخر، مما يمنحنا فهماً أعمق لظروف الاستقرار الديناميكي في الأنظمة متعددة الكواكب. وهذا يربط بين خصوصية هذه المجموعة والأفكار الأكبر حول طبيعة تشكل الكواكب وترتيبها في المجرة.
ولا يقف الأمر عند دراسة الحركة المدارية، بل يمتد إلى جانب كيميائي بالغ الأهمية. الكواكب الجليدية البعيدة مثل "WASP-132 d" تعد بيئة مثالية للكيمياء الفلكية، أي دراسة تفاعل وتكون الجزيئات المعقدة في الفضاء البعيد. مثل هذه الجسيمات، كالميثان والإيثان وبعض المواد العضوية، يُعتقَد بأنها ضرورية لبداية الحياة على الكواكب وتوجد أيضاً في المذنبات والكويكبات التي قد تسافر يوماً إلى عوالم تشبه الأرض. ربط الكيمياء الكونية بالفلك يفتح المجال لاحتمالات مثيرة حول كيفية انتقال بذور الحياة عبر الفضاء من نظام لآخر، وهو محور بحث جذاب يجمع بين علماء الفلك والبيولوجيا.
نظرًا لجميع هذه التفاصيل المدهشة، يستعد الباحثون لاستخدام قدرات تلسكوبات أكثر تطوراً مثل "جيمس ويب" لدراسة أغلفة الكواكب الخارجية بشكل أدق، واستقصاء البصمات الطيفية للجزيئات العضوية في أجواء الكواكب البعيدة. هذا الاستكشاف، إن سارت الأمور كما يُؤمَل، قد يمنحنا نافذة لمراقبة نشأة عناصر الحياة في أقسى أرجاء الكون. ويكمن اقتراح خفيف لتحسين عرض الموضوع في استخدام كلمة "نافذة" بدل "مجهر" لتوضيح مدى اتساع المجال البحثي، والحرص على تضييق المصطلحات بالعودة لمصادرها كلما دعت الحاجة. وإضافة جمل ربط بين الفقرات كما لاحظنا يجعل السرد أكثر سلاسة في شد انتباه القارئ وحمله في رحلة اكتشاف هذا الكون المذهل.