كوكب يُشعل نجمه: اكتشاف فلكي مدهش يُغير نظرتنا للكون

3 د
رصد العلماء كوكبًا يتسبب بانفجارات قوية ومتكررة على نجمه المضيف.
يدور الكوكب "HIP 67522 b" حول نجمه كل سبعة أيام.
يجذب المجال المغناطيسي للكوكب تفاعلات عنيفة مع النجم.
تؤدي هذه الانفجارات إلى تدمير تدريجي لغلاف الكوكب الجوي.
الأبحاث مستمرة لفهم طبيعة الطاقة ودراسة أنظمة مشابهة أخرى.
هل يمكن لكوكب أن يؤدي إلى انفجارات هائلة في نجمه؟ حتى وقت قريب، كانت إجابة علماء الفلك ستكون بالنفي، لكن مؤخراً استطاع العلماء رصد حالة فلكية فريدة من نوعها تؤكد حدوث ذلك بالفعل!
رصد باحثو الفلك كوكباً يقع بالقرب الشديد من نجمه المضيف، فتسبب في ظهور انفجارات نجمية قوية ومتكررة. الكوكب الغريب الذي حمل الاسم "HIP 67522 b"، يدور حول نجمه دورة كاملة في سبعة أيام فقط، وهو تقارب كبير يُعَرِّضُه لإشعاعات شمسية مكثفة يكاد يكون من المستحيل تحملها.
كوكب "يكهرب" نجمه: اكتشاف يُدهش العلماء
وفاجأ هذا الاكتشاف العلماء، كونها المرة الأولى التي يُرصد فيها كوكب يؤثر بشكل مباشر على نشاط نجمه. لاحظ الفريق البحثي بقيادة أخصائية الفيزياء الفلكية إيكاترينا إيلين من المعهد الهولندي لعلم الفلك الراديوي، أثناء دراسة النجم "HIP 67522"، أن انفجارات نجمية ضخمة تحدث بالتزامن مع مرور الكوكب أمام النجم من منظور الأرض. يحدث هذا عند تفاعل المجال المغناطيسي للكوكب مع المجال المغناطيسي للنجم، مسبباً بذلك أمواجاً عالية الطاقة تؤدي إلى انفجارات مفاجئة ومرعبة على سطح النجم.
هذا الاكتشاف يعزز فهمنا للعلاقة الديناميكية المثيرة بين الكواكب والنجوم التي تدور حولها. ولنوضح الأمر بشكل مبسط، تمتلك النجوم حقلاً مغناطيسياً هائلاً تسببه حركة الجسيمات المشحونة على سطحها، وعندما تشابك خطوط المجال المغناطيسي هذه وتنقلب فجأة، فإنها تطلق طاقة كبيرة على شكل توهجات تعرف بظاهرة "الانفجارات الشمسية".
وهذه الظاهرة الجديدة التي رصدها العلماء تشير لأول مرة إلى أن كواكب قريبة من نجمها يمكن أن تلعب دور "المحفز" لهذه الانفجارات العنيفة، نظراً لاحتكاك مجالها المغناطيسي مع خطوط حقول النجم المضيف.
ولتأكيد هذه النظرية الرائدة، استخدم العلماء تلسكوبي الفضاء "TESS" (تلسكوب ناسا لمسح الكواكب خارج المجموعة الشمسية)، و"CHEOPS" (التلسكوب الفضائي الأوروبي المخصص لدراسة الكواكب خارج نظامنا الشمسي). وقد أدت مراقبات تلسكوب "شيبوس" الدقيقة إلى توثيق ظاهرة امتدت 15 انفجاراً تقريباً، حدث أغلبها أثناء مرور الكوكب بشكل ملحوظ أمام النجم.
وتشير التوقعات العلمية الحالية إلى أن هذه الانفجارات تدمر بالتدريج الغلاف الجوي للكوكب "HIP 67522 b"، الذي بالرغم من ضخامته حالياَ (بحجم كوكب المشتري تقريباً)، من المتوقع أن يفقد قسماً كبيراً من غلافه الجوي ويتقلص حتى يصل إلى حجم كوكب نبتون بعد 100 مليون سنة تقريباً.
ولكن، ومع كل ما حققه العلماء من تقدم ملحوظ حتى اليوم، تظل هذه القصة الكونية الغريبة تحمل الكثير من الغموض. فهناك العديد من الأسئلة التي لم تُجب بعد: ما هي طبيعة الطاقة المنبعثة أثناء هذه الانفجارات؟ وهل هناك أنظمة نجمية وكوكبية مشابهة أخرى قدم تحدث بها نفس الظواهر؟
والجميل في الأمر أن الأبحاث لن تتوقف هنا؛ فمن المتوقع أن يواصل العلماء متابعة هذه الحالة الغريبة باستخدام تلسكوبات أخرى، من بينها تلسكوب الفضاء الأوروبي "بلاتو" المُخطط إطلاقه عام 2026، والذي سيعطي صورة أشمل لفهم هذا النوع من التفاعلات الفلكية المثيرة.
أخيراً، هذه الظاهرة الفلكية تفتح لنا الباب واسعاً أمام دراسات مستقبلية مثيرة قد تغير فهمنا تماماً للتفاعلات بين النجوم والكواكب. ولربط الأفكار بشكل أوضح، يمكن التركيز في المستقبل على شرح تأثيرات هذه الظاهرة ومدى انتشارها في أنظمة أخرى مشابهة، مما يمنحنا صورة أوضح لهذا التفاعل النادر بين نجم وكوكبه القريب.