لماذا تتجمد أسماك القرش عندما يتم قلبها رأسا على عقب؟

4 د
أسماك القرش تفقد حركتها عند قلبها رأساً على عقب بسبب "الشلل التوقفي".
يعتقد العلماء أن الظاهرة قد ترتبط بالدفاع أو بسلوك التزاوج.
تُستخدم الظاهرة في الدراسات لتقليل التوتر أثناء الفحوصات الطبية.
هناك جدل حول فوائد "الشلل التوقفي" بسبب استغلال المفترسين لها.
تشير الأبحاث إلى أن الطبيعة التطورية والبيئية قد تفسر الظاهرة جزئياً.
هل سمعت من قبل أن أسماك القرش، رغم هيبتها وقوتها في أعماق المحيط، قد تصبح عاجزة تماماً بمجرد قلبها على ظهرها؟ هذه الظاهرة العجيبة، والتي تسمى “الشلل التوقفي” أو “tonic immobility”، تبدو وكأنها سحرٌ يُطبق على هذه الكائنات العملاقة، فما سرها؟ وهل لها غاية في حياة القرش، أم أنها مجرد صدفة غريبة في تطور الحيوانات البحرية؟
تخيل معي مشهداً درامياً حيث يتمكن غواص مختص من الاقتراب من قرش أبيض ضخم، ويقوم بهدوء بقلبه، وفجأة تتوقف السمكة تماماً عن السباحة، وتهدأ أنفاسها إلى نسق بطيء منتظم. الباحث جويـل غايفورد من جامعة جيمس كوك الأسترالية يصف ذلك بأنه “أقرب ما يكون إلى تنويم القرش مغناطيسياً!”، فما يدفع بعدة أنواع شهيرة من أسماك القرش، كقرش النمر أو القرش الليموني، لدخول هذه الحالة من انعدام الحركة والانفصال المؤقت عن محيطها؟
هذا التساؤل يقودنا إلى أعماق سلوكيات القرش، حيث يشير خبراء مثل أبراهام ميراندا-باآز من منظمة بيلاجيوس كاكونخا المكسيكية إلى أن الشلل التوقفي لا يقتصر على فقدان الحركة فقط، بل يمتد ليشمل انخفاض الحساسية للألم، وتباطؤ معدل ضربات القلب وضغط الدم، بل وحتى تراجع تفاعل القرش مع المؤثرات حوله بشكل ملحوظ. بهذا المعنى، يشبه الأمر ضعفاً أو هدوءاً طارئاً في منظومة القرش العصبية عندما يُقلب على ظهره.
الحيرة العلمية حول فوائد هذه الظاهرة
ويأتي هنا دور العلماء في محاولة تفسير جدوى هذه الظاهرة الغائبة عن أنواع عديدة أخرى من الأسماك. هل يمثل ذلك استراتيجية دفاعية ضد المفترسين؟ أم أن لها علاقة بسلوكيات التزاوج؛ حيث لوحظ أن بعض الذكور تقلب الإناث أثناء التزاوج، فتدخل الأخيرة في حالة الشلل تلك؟ هناك من يعتقد أيضاً أن الحالة ربما تساعد القرش عند التعرض لضغط حسي زائد، ليفصل نفسه مؤقتاً عن بيئته المحيطة، لكنه يبقى في أمان نسبي. وعلى الرغم من أن “التظاهر بالموت” استراتيجية مشهورة في الطبيعة مثلما تفعل بعض الثعابين أو النمل الناري لتجنب أعدائها، إلا أن جدواها عند أسماك القرش موضع جدل؛ إذ أن الكثير من مفترسي القرش – مثل الحيتان القاتلة – انتبهوا لهذه النقطة، وأصبحوا يستغلونها للسيطرة على الفريسة بسهولة.
وبربط هذه النظريات بنتائج الدراسات الحديثة، نستكشف أن هناك باحثين يرون في الشلل التوقفي ميزة تطورية موروثة فقدتها بعض الأنواع مع الزمن. فالدراسات الجينية تتعقب ظهور واختفاء هذه الحالة على مر عصور تطور أسماك القرش وأقاربها (كأسماك الراي). فقد رأى فريق الباحثين أن القروش صغيرة الحجم التي تعيش بين الشعاب المرجانية - حيث المساحات ضيقة - قد يكون من الخطير عليها فقدان قدرتها على الحركة التلقائية، لأنها لو علقَت في وضع مقلوب لفترة طويلة ستكون حياتها في خطر.
استخدام الحالة لصالح الإنسان والقرش
هذا التعمق في فهم الشلل التوقفي يشرح سبب استعانة كثير من الباحثين حول العالم بهذه الخاصية عند دراسة أسماك القرش. في استطاعة الأطباء البيطريين والعلماء أن يجروا فحوصهم الروتينية أو ينقلوا جهاز تتبُّع – عبر شقّ صغير – دون الحاجة إلى تخديرٍ صناعي، مما يقلل كثيراً من التوتر والضرر على الحيوان في البيئة البحرية الطبيعية. فإذا بدت لك العملية قاسية في ظاهرها، من المفيد أن تعلم أن العلماء حريصون قدر الإمكان على إعادة الأسماك إلى وضعها الطبيعي سريعاً بعد الانتهاء.
يبقى إذًا الغموض سيد الموقف في تفسير ظاهرة الشلل التوقفي عند القروش. فحتى اليوم لا توجد نظرية واحدة قاطعة تفسر لماذا تستجيب أسماك القرش بهذه الطريقة عند قلبها، بل يعتقد العديد من الباحثين أن الأمر قد يكون مزيجًا من عدة عوامل تتداخل فيها الدفاعات الفطرية والسلوكيات التطورية وسياق البيئة البحرية بكل تعقيداتها.
وفي الختام، من الملفت للنظر كيف يستمر العلم بكشف جوانب خفية عن كائنات عملاقة كنا نعتقد أننا نعرف عنها كل شيء. ربما من الضروري مستقبلاً أن نضبط المصطلحات قليلاً، فبدل استخدام “الشلل التوقفي” يمكن الاستعاضة عنه أحياناً بعبارة “التثبيط المؤقت”، لنعطي وصفاً أكثر دقة لسلوك هذه الأسماك. كما سيكون من المفيد للقراء أن تضاف في المتابعة جملة تربط بين التطور الزمني لهذه السلوكيات وتغيّر الظروف البيئية في المحيطات. بهذه الطريقة نضمن فهمًا أعمق لعالم الكائنات البحرية الغامض والمثير.