مشروع الجينوم الصناعي: الاقتراب من كتابة جينوم بشري كامل من الصفر! ومخاطر عملية وأخلاقية

3 د
يسعى مشروع الجينوم البشري الصناعي لبناء حمض نووي بشري كامل من الصفر.
المشروع يتلقى دعماً بقيمة 11.
7 مليون دولار من "ويلكوم تراست".
الباحثون كانوا قد تمكنوا من صناعة جينوم بكتيريا، لكن الجينوم البشري أكثر تعقيدًا.
تثير التقنيات المخاوف الأخلاقية، ويجري معالجتها بجانب التمويل لدراسة الأبعاد الاجتماعية.
يشدد الباحثون على ضرورة مواجهة التحديات والمنافع المحتملة بعقلانية ودراسة دقيقة.
هل تخيّلت يوماً أن علاج الأمراض الجينية أو فهم ألغاز البشر الوراثية يمكن أن يتحقق بكتابة الحمض النووي البشري كاملاً من نقطة الصفر؟ هذا ما يسعى إليه اليوم فريق علمي بريطاني قرر اتخاذ خطوة جريئة نحو المجهول، في مشروع وصفه البعض بالطامح والواثق، بينما وُصفه آخرون بالمتهور.
تحت اسم "مشروع الجينوم البشري الصناعي (SynHG)"، تلقى هؤلاء الباحثون تمويلاً سخياً يبلغ نحو 11.7 مليون دولار من مؤسسة "ويلكوم تراست"، وهي واحدة من أكبر المؤسسات الطبية الخيرية في العالم، بهدف البدء بوضع اللبنات الأساسية لتصميم حمض نووي بشري اصطناعي بالكامل.
ماذا يعني "جينوم بشري صناعي" بالضبط؟
الأمر يختلف جذرياً عن عمليات تعديل الجينات التقليدية، التي تعدل أجزاء صغيرة من الحمض النووي (DNA). فالجينوم الصناعي يعني خلق سلسلة حمض نووي كاملة ومعقدة يتم بناؤها من الصفر، شيء أشبه ببناء مدينة كاملة من الأساس بدلاً من مجرد تجديد مبانيها، وهو مهمة بالغة الصعوبة تحتاج لتقنيات حديثة جداً لا تزال قيد التطوير.
وبالفعل، يخطط باحثو المشروع بقيادة البروفسور جيسون تشين من جامعة أكسفورد، خلال الأعوام القادمة، لبناء وتطوير الأدوات التقنية والمنهجيات التي تُمكّن العلماء من صناعة جينوم بشري كامل. ويهدف المشروع بداية إلى إنشاء كروموسوم بشري صناعي كامل خلال فترة تتراوح من خمس لعشر سنوات.
هذا المشروع ليس أول تمويل ضخم تقدمه مؤسسة ويلكوم تراست في مجال بحوث الجينوم. فمنذ 25 عاماً، دعمت المؤسسة "مشروع الجينوم البشري" الذي تمكّن من تخطيط الجينات البشرية بالكامل. ومع ذلك، فإن ما يحاول الفريق الحالي تحقيقه أصعب وأكثر تعقيداً بأضعاف مقارنة بمشروع الجينوم البشري السابق. فعلى سبيل المقارنة، تمكن الفريق حديثاً من صناعة جينوم بكتيريا إيكولاي بالكامل، لكن هذا يعد صغيراً جداً إذا ما قورن بحجم الحمض النووي البشري، الذي يصل حجمه تقريباً لـ700 مرة حجم الجينوم البكتيري.
ورغم تفاؤل الباحثين بهذا الإنجاز، فإن الدرب أمامهم مليئة بالتحديات والمخاوف. بعض المختصين والعلماء يتخوّفون من الاستخدام الخاطئ لمثل هذه التقنيات. إذ يعتقد البعض – مثل بيل إيرنشو الباحث في جامعة إدنبرة – أن هذه التقنية إذا طُورت بشكل كامل ستمكن البشر من بناء أنظمة حيوية جديدة بالكامل أو تصميم كائنات بصفات بشرية، ما يفتح الباب أمام مخاطر أخلاقية وحتى أمنية.
مواجهة المخاوف الأخلاقية بصراحة وشفافية
إدراكاً لخطورة هذه التساؤلات، يحاول المشرفون على المشروع معالجة التحديات القانونية والأخلاقية بطريقة علمية ومفتوحة منذ البداية. إذ تم تخصيص جزء من التمويل لصالح دراسة الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية المرتبطة بتطوير هذه التقنيات الحساسة. يقود هذا الجانب الأخلاقي فريق متخصص برئاسة البروفسورة جوي تشانغ من جامعة كِنت.
بدوره، أكد توم كولينز، كبير مديري البحوث في ويلكوم تراست، أنهم يدركون جيداً أن التقنية ستُطوّر عاجلاً أم آجلاً، وأنه من الحكمة مواجهة هذه التحديات والمسائل الأخلاقية منذ البداية والتعامل معها بشكل واضح ومسؤول، محاولين تجنب قيام أفراد أو منظمات بتطوير هذه التكنولوجيا سرّاً وبدون رقابة.
في الختام، يشير الباحثون أن ثمار هذه التقنيات – إن تحققت – قد توفر علاجاً ثورياً لأخطر الأمراض الوراثية والفيروسية، وتفتح آفاقاً جديدة لفهم طبيعة البشر وتكوينهم. ومع إدراكهم لصعوبة التحديات ومخاطر إساءة الاستخدام المحتمل، فإنهم يقولون إن فرصة النجاح والفائدة العلمية تستحق هذه المغامرة الطموحة والمثيرة للجدل، مع بقاء الحاجة ماسة للحوار المفتوح وحشد آراء مختلف شرائح المجتمع في كل مراحل المشروع المستقبلية.