ذكاء اصطناعي

 مفاجأة من الفضاء: اكتشاف “أقمار صغيرة” تدور حول الأرض ولا نراها

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف الباحثون وجود أكثر من ستة "أقمار صغيرة" تدور حول الأرض بصورة دورية.

هذه الأقمار المتناهية الصغر غالباً تكون شظايا من القمر نفسه بسبب ارتطام كويكبات.

تظهر الأقمار الصغيرة وتختفي نتيجة لتغير الجاذبية، كما وصفها الباحثون برقصة مستمرة.

تسهم هذه الأجسام في فهم سلوك الجاذبية حول الأرض وتطور النظام الشمسي.

الدراسة الجديدة تتحدى الفكرة السابقة عن أصل الأقمار الصغيرة المتعلق بحزام الكويكبات.

هل تصورت يوماً أن القمر ليس الرفيق الوحيد للأرض في رحلته حول الشمس؟ ربما تعتقد أن المشهد الليلي الصافي يكشف كل شيء، لكن باحثين كشفوا عن وجود ما يزيد على ستة "أقمار صغيرة" أو ما يعرف بالـ"minimoons" ترافق كوكبنا بشكل دوري دون أن يشعر بها معظم الناس.

في دراسة حديثة قادها باحثون من الولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا وفنلندا والسويد، توصل العلماء إلى أن هذه الكواكب الصغيرة، التي تسمى أحياناً بالأقمار المؤقتة أو الأجسام المرتبطة مؤقتاً (TBOs)، ليست مجرد أحجار تائهة من حزام الكويكبات فحسب، بل إن معظمها قطع متناهية الصغر من القمر نفسه، ناتجة عن ارتطام الكويكبات بسطحه. هكذا تبدو الأرض وكأنها محاطة بحلقات من الحطام القمري، بعضها لا يتجاوز طوله مترين.

ولتبسيط الظاهرة، تخيل أن الأرض بمثابة ميدان كبير يطوف حوله القمر والأقمار الصغيرة وكأنهم في رقصة مستمرة؛ يدخل الجميع إلى الحلبة ثم يغادرونها بشكل متكرر، حيث تبقى هذه الأقمار الصغيرة تدور لبعض الوقت قبل أن تهرب من جاذبية الأرض، أو تعود لتلتحم بالقمر أو حتى تصطدم بالأرض نفسها في حالات نادرة. هذا الدوران المؤقت أشبه برقصة مربعة يبدّل فيها الشركاء أماكنهم باستمرار – وفق ما عبر عنه الباحث روبرت جيديك من جامعة هاواي، الذي شبه حركة هذه الأجسام بالمراقص، حيث يأتي بعض الشركاء الجدد ويغادر آخرون الساحة للراحة. هذه الصورة الذهنية تربط بين تعقيد الجاذبية حول الأرض وسلوك هذه الأجسام العجيبة.

رؤية جديدة حول أصل الأقمار الصغيرة
ما يثير الحيرة أكثر أن الدراسة الجديدة تناقض الاعتقاد الشائع بأن جميع هذه الأجسام الضئيلة تأتي من حزام الكويكبات الواقع بين المريخ والمشتري، وذلك كما أشارت بعض الأبحاث القديمة عام 2018. فالتحليل الكيميائي والطيفي لأحد هذه الأقمار المؤقتة، التي رُصدت مؤخراً وتحمل اسماً صعب النطق هو 2024 PT5، يكشف أن المواد التي تعكس الضوء فيها تشبه إلى حد بعيد تربة القمر وصخوره، خصوصاً غناها بمعدن السيليكات. كذلك الحال مع كويكب Kamo'oalewa الذي تم اكتشافه عام 2016، إذ بدا تركيب سطحه شبيهاً بالقمر أكثر من أي كويكب معروف في النظام الشمسي. وهذا الترابط الجديد يفرض علينا إعادة النظر في فهمنا لكيفية نشأة الأقمار الصغيرة.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الأجسام لا تبقى طويلاً "أقماراً ثانية" للأرض، بل تفلت من جاذبيتنا عادة بعد أشهر معدودة لتتبع الشمس في مدارها، فيما تتجدد "الرقصة" باستمرار عبر قدوم أجزاء جديدة من القمر بدفع الاصطدامات النيزكية.

كيف تتشكل هذه القطع القمرية؟
لفهم سر تكاثر هذه الأقمار الصغيرة، من الضروري العودة إلى نظرية "الاصطدام العملاق"، التي تشير إلى أن القمر نفسه تشكل قبل حوالي أربعة مليارات عام نتيجة تصادم ضخم بين الأرض وجسم عملاق بحجم الكوكب. حطام هذا الاصطدام تجمّع ليشكّل القمر، وها نحن اليوم نشهد كيف يستمر القمر بفقد بعض من أطرافه مع كل ارتطام جديد، ترسل شظايا صغيرة منه إلى الفضاء، ولا تلبث الجاذبية الأرضية أن تلتقط بعضها، فتحولها إلى ضيوف عابرين في حلبة دوران الأرض.

ذو صلة

وهكذا نجد أن فكرة "الأقمار المتعددة" تكتسب دعائم علمية قوية مع كل دراسة، وتثير تساؤلات حول مستقبل استخدامها في الأبحاث الفلكية أو حتى استكشاف الموارد القمرية. ربما تحمل هذه الأقمار الصغيرة مفاتيح لأسرار تطور النظام الشمسي وسلوك الجاذبية حول الكواكب.

وفي الختام، بينما أعادت هذه الدراسة إحياء مشهد الفضاء من حول الأرض، قد يكون من المفيد التركيز أكثر على التمييز بين مفهومي "الأقمار المؤقتة" و"البقايا القمرية" لتوضيح الصورة أمام القارئ، وربما استبدال مصطلح "حلبة دوران الأرض" بتعبير آخر أكثر بساطة. إضافة جملة تربط بين دور هذه الأجسام الصغيرة ومستقبل الأبحاث الفضائية قد تمنح المقال تماساً أوثق مع الفضول العلمي المتجدد لدى القارئ، ليظل متشوقاً لمتابعة جديد هذا المجال الرحب.

ذو صلة