ذكاء اصطناعي

من النفايات إلى الابتكار: كيف يمكن للبول البشري أن يغير وجه الصناعة الحديثة!؟

فريق العمل
فريق العمل

3 د

اكتشف العلماء إمكانية تحويل البول البشري إلى معدن "هيدروكسي أباتيت" للاستخدام الطبي.

تساعد هذه التقنية في إنتاج مواد صديقة للبيئة مثل البلاستيك ومواد البناء.

تُظهر الأبحاث أن البول يمكن أن يصبح موردًا ثمينًا في المستقبل.

يساهم "هيدروكسي أباتيت" في تحسين الاستدامة ودعم الاقتصاد الدائري.

يعتمد إنتاج المعدن على تقنيات التخليق الحيوي والطباعة ثلاثية الأبعاد.

هل تخيلت يومًا أن بول الإنسان، هذا السائل الذي اعتدنا التخلص منه يوميًا، قد يصبح مادة قيمة لصناعة منتجات متطورة؟ قد يبدو الأمر غريبًا للوهلة الأولى، لكن الأبحاث الجديدة تؤكد أن المستقبل قد يحمل مفاجآت مذهلة، فقريبًا قد تصبح مواد البناء، حتى زراعة الأسنان، أكثر استدامة بفضل البول!

لطالما اعتبرت فكرة إعادة استخدام الفضلات البشرية تحديًا صعبًا أمام العلماء. وسابقًا، كان الاهتمام الرئيسي باستخدام البول يتركز على تحويله إلى سماد، لأن البول يحتوي على مواد مغذية مهمة مثل النيتروجين والفوسفور، لكنه لم يتوسع بسبب توافر هذه العناصر بشكل رخيص في السوق. والآن، يبدو أن توجّه الباحثين بدأ بالتركيز على مجالات واعدة أخرى.

فريق من العلماء في جامعة كاليفورنيا - إرفاين، مع عدة شركاء من الولايات المتحدة واليابان، أعلنوا عن اكتشاف مذهل، نُشرت تفاصيله مؤخرًا في دورية Nature Communications. استطاع الباحثون استخدام اليوريا (وهي مركب كيميائي موجود في البول) لإنتاج "هيدروكسي أباتيت"، وهو معدن ذو إمكانيات هائلة، من ضمنها استخدامات طبية لعلاج العظام وترميم الأسنان، وأيضًا في عمليات ترميم القطع الأثرية، وتصنيع مواد بلاستيكية صديقة للبيئة، وحتى مواد البناء القوية.

هذا الرابط بين مادة تُعد فضلات بشرية، وتقنية تصنيع متطورة، يفتح بابًا واسعًا لمستقبل أكثر استدامة وإبداعًا.

يُلائم الهيدروكسي أباتيت المجال الطبي بشكل خاص، لكونه معدنًا طبيعيًا يتواجد بالفعل في عظامنا وأسناننا، حيث تقوم خلايا العظام المعروفة باسم "أوستيوبلاست" بإنتاجه. ولهذا يتميز الهيدروكسي أباتيت بقدرته الطبيعية على الاندماج بالجسم ودعمه لنمو الخلايا. إلا أن الإنتاج الطبيعي لهذا المعدن في المختبر يُعتبر صعبًا ومكلفًا للغاية، ويتطلب تقنيات معقدة ومعدات باهظة الثمن، لذلك يتركز بحث العلماء على ابتكار طرق أسهل وأقل تكلفة.

وبفضل تقنيات البيولوجيا التخليقية، تمكّن الفريق البحثي من خلق منصة خلايا خميرة اصطناعية أطلقوا عليها اسم "أوستيو-ييست". هذه الخميرة المعدّلة تستطيع تحويل اليوريا التي تحصل عليها من البول البشري إلى معدن الهيدروكسي أباتيت خلال فترة زمنية لا تتجاوز اليوم الواحد. وقد استطاع العلماء توليد جرام واحد من المعدن من كل لتر من البول، ما يجعل هذا النهج قابلاً للتوسع والإنتاج الصناعي وحلاً عملياً ومستداماً لمشكلة التخلص الآمن من البول الزائد في المدن والتجمعات الضخمة.

هذا ليس فحسب ما يجعل هذه التقنية مبتكرة، بل أيضاً استهلاكها المنخفض للطاقة. فالخميرة التي تُستخدم في هذه العملية مشابهة تمامًا لتلك التي نعتمد عليها لصناعة الجعة، وهو ما يعني إمكانية الإنتاج في منشآت بسيطة ورخيصة دون الحاجة للبنى التحتية المعقدة. ويقول ديفيد كيسايلوس، أحد الباحثين البارزين في المشروع: "نظامنا هذا لا يحل مشكلة البول كمخلّفات تلوث البيئة فحسب، بل ينتج أيضاً مادة قيّمة يمكن استغلالها تجاريًا في مجموعة واسعة من التطبيقات المهمة".

النتائج الأولية واعدة؛ فالهيدروكسي أباتيت المنتج بهذه الطريقة يتميز بصلابته، خِفة وزنه، وقابليته للتشكل في صناعات متعددة. فبدلاً من البلاستيك المشتق من النفط، قد نرى في المستقبل مواداً مصنوعة من معدن تم إنتاجه أصلاً من بول الإنسان!

ذو صلة

في الوقت الحالي، يركز الباحثون جهودهم على دمج منصتهم مع تقنيات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد لصنع مواد متعددة الوظائف. وإذا تمكن العلماء من إثبات قابلية إنتاج هذه التقنيات بكميات كبيرة اقتصادياً، سيعني ذلك ثورة حقيقية في مجال الصناعة الخضراء وتحفيز الاقتصاد الدائري، وإعادة تعريف مفهومنا الحالي عن الموارد والمخلفات.

في الواقع، يُظهر هذا البحث أن الإبداع العلمي قادر على تحويل شيء روتيني وحتى مزعج مثل البول، إلى مورد ثمين يغير كثيراً من قواعد اللعبة. ولعل الخطوة القادمة التي يحتاج إليها الباحثون في هذا المجال هي التركيز بشكل أكبر على تحقيق جدوى اقتصادية وتطمينات صحية واضحة، الأمر الذي سيسرع نقلة هذه التقنية الفريدة من المختبر إلى فضاء الصناعات اليومية. ويبقى السؤال مفتوحًا: ما هي المواد الأخرى التي نعتبرها اليوم نفايات، وقد تحولت غدًا إلى منتجات عالية القيمة؟

ذو صلة