ذكاء اصطناعي

ميكروب صغير يحول النفايات إلى ذهب: ثورة بيولوجية في التعدين الأخضر

محمد كمال
محمد كمال

4 د

تمكنت بكتيريا "كوبرفيادوس ميتالي دورانس" من تحويل المعادن السامة إلى ذهب نقي.

تعيش البكتيريا في بيئات غنية بالمعادن وتقلبها بعمليات كيميائية حيوية.

ذاك يُعد إنجازًا مهمًا في مجال التعدين الحيوي، كبديل آمن وصديق للبيئة.

البحث العلمي يواجه تحديات للتطبيق الواسع والنموذج الصناعي الفعال للبكتيريا.

التعدين الحيوي قد يعيد تشكيل صناعة الذهب، بعيدًا عن المواد السامة.

هل تخيلت يوماً أنه من الممكن استخراج الذهب ليس عن طريق الحفّارات العملاقة أو المواد الكيميائية القوية، بل عبر كائنات صغيرة لا تُرى إلا بالمجهر؟ هذا ما فعله العلماء مؤخراً عندما خطف بكتيريا اسمها "كوبرفيادوس ميتالي دورانس" (Cupriavidus metallidurans) الأضواء، بعدما بينت قدرتها العجيبة على تحويل معادن سامة إلى ذهب خالص في عملية تضع مستقبل التعدين على مفترق جديد.

يعيش هذا النوع من البكتيريا في بيئات غنية بالمعادن، وخاصة تلك التي تحوي مركبات ثقيلة تضر بالكائنات الحية المعتادة. الغريب في الأمر أن هذه البكتيريا لا تكتفي بتحمل وجود معادن مثل النحاس والذهب والنيكل، بل إنها في إطار نضالها للبقاء تقوم بإفراز مركبات تحلل هذه المعادن السامة ثم تعيد تشكيلها في صورة جزيئات ذهب نقي، وهو اكتشاف وصفه كثيرون بأنه "ثوري" في عالم إعادة التدوير والاستخراج البيئي.

وبعد استيعابنا لهذا المشهد العلمي الجديد، من المهم أن نفهم كيف يعمل هذا الميكروب الدقيق وكيف يمكن له أن يتفوق على الماكينات الضخمة، ليس فقط من ناحية الكفاءة بل أيضاً الصداقة مع البيئة.


كيف تتغذى البكتيريا على السموم وتنتج الذهب؟

العلاقة الطردية بين البكتيريا وامتصاص المعادن النادرة توضح لنا كيف استطاعت هذه الكائنات الدقيقة تطوير أنظمة حيوية لتحويل المواد الضارة إلى عناصر ثمينة. ففي الحقول الصناعية التقليدية يُستخدم الزئبق والسيانيد لاستخراج الذهب من الصخور، وهي مواد خطيرة تهدد كوكبنا على المدى البعيد. أما هنا، يستخدم الباحثون البكتيريا في معالجة النفايات الغنية بنفايات إلكترونية أو رواسب الصخور، فتلتهم المعادن الثقيلة وتبدأ بسلسلة تفاعلات كيميائية حيوية تؤدي في النهاية إلى تراكم قطع دقيقة من الذهب.

يعتبر هذا الإنجاز قفزة هائلة في ما يسمى "التعدين الحيوي"، لأنه يوفر بديلاً آمناً وغير مكلف وحدوده مفتوحة أمام استصلاح النفايات الإلكترونية ومستودعات المعادن التي يصعب معالجتها بطرق تقليدية. وإذا نظرنا إلى محاولات الدول في تسخير تقنيات التدوير البيئي، سنجد أن الاعتماد على كائنات حية قادرة على التنقية الحيوية قد يغيّر قواعد اللعبة قريباً.

ومع تمهيدنا لهذا الاحتمال، يبرز سؤال مهم حول تطبيقات هذه التقنية على نطاق أوسع وتأثيرها على صناعة الذهب العالمية.


تحديات واعدة أمام استخراج الذهب بالطرق البيولوجية

بالرغم من أن فكرة "البكتيريا التي تنتج الذهب" تبدو قاب قوسين من الواقع العلمي الشعبية والتطوير الصناعي، إلا أن الطريق أمامها ليس سهلاً تماماً. يواجه العلماء تحديات متعددة؛ من بينها تطوير أنظمة زراعية دقيقة قادرة على إنتاج كميات عملية من الذهب، وضمان فعالية البكتيريا عند العمل على مقاييس إنتاج ضخمة. كما يُنظر إلى ضرورة التحكم في الظروف البيئية اللازمة، لأن أي تغيير طفيف في مستويات الحموضة أو المعادن قد يؤثر على مجمل عملية الإنتاج.

وللمضي قدماً في هذا المجال، تتعاون مختبرات الأبحاث مع القطاع الصناعي لتطوير وحدات اختبارية قادرة على استغلال هذه البكتيريا في معالجة المخلفات الناتجة عن الصناعات الإلكترونية الحديثة، والتي تعتبر كنزاً من المعادن الثمينة في طور الإهمال.

وهذا يدفعنا للتساؤل حول مدى قدرة البكتيريا على معالجة مشكلات النفايات والتلوث في المستقبل القريب، خصوصاً في ظل تزايد الوعي العالمي بأهمية حماية البيئة.


مستقبل التعدين البيولوجي والتقنيات النظيفة

يتوقع خبراء الاقتصاد والبيئة أن هذا النهج المستدام في استخراج الذهب سيلعب دوراً محورياً في تقليل استخدام مواد سامة ويضع إطاراً جديداً لعلاقة الإنسان بالتقنيات النظيفة. مع انتشار الأجهزة الإلكترونية وتكدّس مخلفاتها في جميع أنحاء العالم، تبدو هذه الكائنات الصغيرة كأمل لقلب موازين الصناعة وجعل إعادة تدوير المعادن الثمينة أكثر صداقة مع الطبيعة وأقل تكلفة من أي وقت مضى.

ذو صلة

ورغم أننا لا زلنا في أولى الخطوات لاستغلال هذه الإمكانيات بمقاييس تجارية حقيقية، إلا أن الدراسات مستمرة وتسعى إلى تحقيق رجاء لطالما حلم به العلماء: إنتاج الذهب من النفايات عبر البكتيريا، دون الحاجة لتدمير الأنظمة البيئية أو استنزاف الموارد الطبيعية.

في الختام، يبدو أن قوة الكلمات يمكنها أن تُلهب خيالنا تماماً مثل هذا الاكتشاف العلمي، وربما لو استخدمنا كلمة "تحويل" بدلاً من "إنتاج" سنمنح العنوان دقةً أكبر. لا شك أن إضافة جملة تشرح بأن هذه التقنية ما زالت في إطار البحث والتجربة ستوفر للقارئ صورة أشمل عن تطورها. وبهذا يواصل العلم رسم حدود جديدة لما كان يبدو مستحيلاً يوماً.

ذو صلة