ناسا تحل لغز عناكب المريخ أخيراً: هل هي كائنات حية أم أبعد من ذلك!؟

4 د
توضح ناسا الظاهرة الجيولوجية لعناكب المريخ، مؤكدة عدم وجود كائنات حية.
تشكل العناكب بسبب التجمّد والتسامي لثاني أكسيد الكربون في الشتاء المريخي.
نجح الباحثون في محاكاة الظاهرة بمختبر DUSTIE عبر درجات حرارة شديدة البرودة.
تشير التشكلات المتنوعة للعناكب إلى تغيرات مناخية قديمة على المريخ.
تساعد هذه الاكتشافات في كشف أسرار جيولوجيا المريخ المعقدة.
هل سبق أن سمعت عن “عناكب المريخ”؟ رغم أن الاسم يوحي بحشرات غريبة تسكن الكوكب الأحمر، إلا أن الحقيقة أكثر إثارة. على مدى سنوات، حيّرت هذه التشكيلات الجيولوجية التي ترصدها أقمار الاستشعار العلماء، فبدت كأنها خيوط عنكبوتية ضخمة تزيّن سطح المريخ، وتمتد أحيانًا لمسافات تزيد على الكيلومتر. اليوم نجحت ناسا أخيرًا في إعادة إنتاج هذه الظاهرة الغامضة داخل مختبراتها – فألقت الضوء على سر تكوّنها وارتباطها بموسم الشتاء المريخي.
منذ بداية الاكتشاف، اشتبه العلماء في وجود علاقة وثيقة بين ظهور هذه “العناكب” وتجمّد ثاني أكسيد الكربون. صحيح أن المريخ عالم قاسٍ ومُتجمد في معظمه، لكن سطحه يخضع لتحوّلات موسمية معقدة. في الشتاء، تتجمد نسبة كبيرة من غلاف المريخ الجوي – المؤلف أساسًا من غاز ثاني أكسيد الكربون – وتكسو سطحه بطبقة جليدية شديدة البرودة. وحين تعود الشمس مع موسم الربيع، تبدأ تلك الطبقة الجليدية بالسُّخونة من الأسفل تدريجياً، مما يؤدي إلى عملية تدعى التسامي: تحول الجليد مباشرة إلى غاز دون المرور بالحالة السائلة. هنا تبدأ الحكاية.
بالانتقال إلى مرحلة تحليل النمط وتفسير الظاهرة، كانت الفرضية الأولى التي وضعها العلماء قبل حوالي عشرين عامًا تدور حول هذه الدورة المتكررة. أشارت النماذج إلى أن أشعة الشمس تنفذ من خلال الجليد الشفاف، فتسخّن التراب المريخي الداكن المختبئ تحته. الحرارة المتصاعدة تتسبب بتحويل قاعدة الطبقة الجليدية إلى غاز، فيحصر الغاز المتجمع في جيوب ضاغطة بين الجليد والتربة. حين يشتد الضغط، يتشقق الجليد فجأة مطلقًا نفاثات من الغاز المحمّل بالغبار، ما ينحت على السطح خطوطًا شعاعية تشبه أرجل العنكبوت. هكذا تتكوّن تلك القنوات المتفرعة والمعقّدة التي بدت لسنوات كعلامات على نشاط بيولوجي غامض، لكنها في الواقع خبيرة بمناخ المريخ وتقلّباته الحادّة.
في محاولة لمحاكاة الظروف المريخية على الأرض، واجه باحثو ناسا صعوبة كبيرة. فالمطلوب كان درجات حرارة متدنية جدًا تصل لنحو 185 درجة مئوية تحت الصفر، إضافة إلى الضغط الجوي الضعيف للمريخ. لهذا لجأ الفريق إلى مختبر يحاكي هذا المناخ القارس اسمه DUSTIE، حيث جُمّدت تربة مشابهة للمريخ باستخدام النيتروجين السائل، وغذّوا الحجرة بغاز ثاني أكسيد الكربون حتى تكاثف وتجمّد فوق التربة. ورغم التحديات، تمكن الباحثون بعد عدة تجارب من خلق "عناكب" مشابهة للتي رُصدت عبر الأقمار الصناعية.
وهنا تنطلق إضاءة مهمة حول تفاصيل هذه الظاهرة: ليس مجرد نفاذ الغاز وحده هو من ينحت هذه التشكلات الفريدة، بل لاحظ العلماء أيضًا أن بعض التشققات تظهر في ظروف معينة نتيجة التغيّرات الحرارية – أي بسبب التمدد والانكماش الناتج عن انتقال الحرارة. وهو ما دفعهم للاعتقاد بوجود أكثر من عملية جيولوجية تساهم في رسم هذه البصمة على سطح المريخ، وربما تكون “العناكب” دليلًا محفوظًا على التغيرات المناخية القديمة للكوكب.
بعيدًا عن الشبكة العنكبوتية: تنوّع الأشكال وتفاصيل أخرى
ما يزيد الأمر إثارةً، أن هذه التشكلات لا تأخذ دائمًا الشكل الشعاعي ذاته؛ بل تختلف بحسب سمك الجليد وسرعة خروج الغاز. أحيانًا تظهر بقع داكنة حين يخترق الغاز الغلاف الجليدي ويقذف الغبار للخارج، فيما يُحيط بها هالات ناصعة ربما نشأت من بلورات جليد أعادت الغازات ترسيبها من جديد على السطح. هذا التنوع في الأشكال والأبعاد يفتح الباب لتساؤلات أعمق، فالظاهرة لا تحدث في كل مكان ولا تكبر "العناكب" بمرور الوقت باستمرار. قد يكون في ذلك دليل على تاريخ مناخي قديم مختلف للمريخ لم تظهر أسراره بعد.
وهكذا، يتضح لنا كيف أن اختبار فرضية علمية قد يقود إلى اكتشافات تفسر طلاسم استمرّت لعقود من الزمن. تسلط هذه التجارب الضوء على القوى الكامنة وراء جيولوجيا المريخ – من تجمد الغازات، مرورًا بالتسامي، وانتهاءً بالنقش الطبيعي الذي لا يُشبه أي شيء لدينا على الأرض. ولمن يتساءل عن المسميات، ربما كان من الأجدى أحيانًا استبدال لقب “العناكب” بمصطلح “القنوات الشعاعية” أو “الرسوم الغازية”، لما فيه من دقة تعبيرية وأقرب لطبيعة الظاهرة. ستبوح الأيام القادمة بمزيد من الأسرار كلما تقدمت الدراسات، واستكشفت أدواتنا العلمية عمق الكوكب الأحمر. ومن يدري؟ قد تفتح لنا عناكب المريخ نافذة جديدة على ماضيه، وتجيب عن أسئلة علمية أبعد حتى من حدود الخيال.