ناسا تكشف: النيازك الدقيقة تُعيد صياغة فهمنا لتكوين غلاف القمر الجوي

3 د
تؤكد دراسة حديثة أن النيازك الدقيقة، وليس الرياح الشمسية، تخلق غلاف القمر الجوي.
الاكتشاف قلب المفاهيم العلمية السابقة، مؤكدًا أهمية النيازك الدقيقة في تحرير الذرات.
النيازك الدقيقة تُشكل الجزء الأهم في تكوين الإكسوسفير حول القمر.
نجاح بعثات ناسا المستقبلية يعتمد على الفهم الجديد لتأثير النيازك الدقيقة.
يتطلب هذا الاكتشاف مراجعة تقديرات تأثير الرياح الشمسية والعوامل الكونية الأخرى.
لم يعد غلاف القمر الجوي سرًا بعيد المنال بفضل دراسة حديثة أكدت أن النيازك الدقيقة، لا الرياح الشمسية، هي التي تخلق هذا الغلاف الرقيق حول الجرم السماوي الأقرب للأرض، ما قلب مفاهيم العلماء رأسًا على عقب.
لطالما ساد الظن بأن الرياح الشمسية — أي تلك الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس — هي الفاعل الرئيسي في تكوين الغلاف الخارجي الباهت للقمر. لكن اكتشاف فريق علمي بقيادة البروفيسور فريدريش أومير في جامعة فيينا للتقنيات، والذي استخدم عينات غبار قمرية أصلية من رحلة أبولو، كشف العكس تمامًا. إذ تبيّن أن تأثير الصدمات المتواصلة للنيازك متناهية الصغر أو ما يسمّى "الدبابيس النجمية" هو العامل الأهم في تحرير الذرات وتعزيز وجود الغلاف الخارجي، المعروف علميًا بالإكسوسفير، حول القمر.
وإذا أمعنا النظر في هذه المفاجأة العلمية، نلاحظ أنّ فريق الباحثين عمد إلى تعريض عينات ترابية قمرية لأيونات الهيليوم بسرعة تُماثل سُرعة الرياح الشمسية. والنتيجة؟ وجدوا أن عملية ما يُسمى "التناثر الأيوني" — وهي آلية تحرير الذرات من التربة عبر اصطدام الأيونات بها — أضعف قيمة بكثير مما كان يُعتقد سابقًا. وهكذا لم تجد النماذج التقليدية القديمة لصدى الرياح الشمسية مكانًا لها حين واجهت نتائج القياس المخبري الدقيقة والتي أثبتت أن السطح القمري، بتضاريسه الخشنة وثقوبه الكثيرة، يمتص معظم الطاقة بدلاً من أن يُطلق كمًا كبيرًا من الذرات نحو الفضاء.
وهذا التحوّل في الفهم يتكامل مع نتائج دراسات حديثة أخرى — بما فيها تحليل نظائر عناصر كالبوتاسيوم والروبيديوم في عينات من برنامج أبولو — جميعها تشير بأصابع الاتهام إلى النيازك الدقيقة باعتبارها صاحب اليد الطولى في تكوين الغلاف الجوي القمري. التقاطع بين نتائج مختبرية وتحليلات عنصرية_نظائرية يضيف مزيدًا من الثقة لهذا النموذج التصحيحي.
آثار كبيرة على هندسة المستقبل
والجدير بالذكر أن هذا التحول العلمي يرتبط ارتباطًا وثيقًا باستعدادات ناسا لبعثاتها القادمة ضمن برنامج "أرتميس". إذ يعتمد نجاح أنظمة الطاقة الشمسية وأجهزة الاستشعار وحتى الوحدات السكنية المستقبلية على فهم دقيق لتأثير الرياح الشمسية، الصدمات النيزكية، وتآكل السطح القمري عبر الزمن. تقنيات الاستشعار عن بُعد ومسوح العناصر مثل الصوديوم والهيليوم ستُضطر الآن لمراجعة تقديراتها، فمن السهل الوقوع في خطأ القراءة إذا اعتمدنا بشكل مبالغ فيه على أن الرياح الشمسية هي المصدر الأساسي.
ولعلك تتساءل: إذا كانت النيازك الدقيقة هي المحرك الأساسي، فكم يعيش هذا الغلاف الرقيق؟ في الواقع، تشير تقديرات العلماء إلى أن الغلاف القمري سيتبدد في غضون عدة أيام قمرية لو توقف وابل هذه النيازك، فكل ذرة فيه عابرة يمر بها تيار مستمر من "الرصاص النجمي" — وهو وصف شاعري يصوّر سرعة ودقة هذه الجسيمات الكونية.
وهذا بدوره يقودنا إلى نقطة أخرى مهمة تتعلق بالمهمات الفضائية المقبلة، ليس للقمر فقط بل حتى لكواكب أخرى أشد تعرضًا لمثل هذه الظروف. على سبيل المثال، تعتمد مهمة وكالة الفضاء الأوروبية اليابانية المشتركة "بيبي كولومبو" لدراسة كوكب عطارد على هذه النماذج الجديدة، لفهم التآكل السطحي والتغيرات الكيميائية الناتجة عن اصطدام الأجسام الفضائية الصغيرة والرياح الشمسية.
وختامًا، من الواضح أن اكتشاف ضعف تأثير الرياح الشمسية في تكوين الغلاف القمري يغيّر نظرتنا لتاريخ تآكل التربة القمرية، وزمن بقاء آثار الرواد والعربات على سطح القمر، بل وربما حفظ معدات برنامج أبولو مدى أطول مما كنا نتصور. في المقابل، لا تزال العواصف الشمسية قادرة على إحداث قفزات مؤقتة في "التناثر الأيوني" أثناء فترات النشاط الاستثنائي. وسيكون مراقبة هذه الدفقات من مهام الأقمار الصناعية الصغيرة المصاحبة لرحلات أرتميس، في خطوة تهدف لرسم صورة واقعية لطبيعة التغيرات القمرية المستمرة.
يبقى باب البحث مفتوحًا للتعمق في اختلاف تفاعل الأتربة البركانية، الغنية بالزجاج، مع الرياح الشمسية وربما دراسة تأثير ذلك على أجرام أخرى كقمر أوروبا وإنسيلادوس. ولعلنا نستفيد، في صياغة مثل هذه الأخبار، من انتقاء عبارات أكثر دقة أو تعزيز الروابط بين الفقرات بجمل تمهيدية إضافية، بما يقرب الصورة أكثر للقارئ ويجمع خيوط القصة العلمية بوضوح أكبر.