نهاية عصر الفولاذ؟ العلماء يصنعون خشبًا أقوى منه!

3 د
تمكن باحثون في جامعة ميريلاند من تطوير خشب أقوى من الفولاذ بعشر مرات.
يشمل التحويل معالجة كيميائية وضغط حراري يعزز روابط الهيدروجين بين ألياف السليلوز.
يتميز الخشب الجديد بمقاومة عالية للانضغاط والخدوش وخفة الوزن.
يمكن أن يُستخدم في صناعات الطائرات والسيارات ومواد البناء والأثاث.
هذا الابتكار يعزز الاستدامة البيئية ويوفر بدائل اقتصادية للمعادن التقليدية.
في خطوة علمية لافتة، تمكن فريق من الباحثين في جامعة ميريلاند الأمريكية من تطوير نوع جديد من الخشب يتمتع بقوة تفوق الخشب الطبيعي بعشر مرات، مما يجعله بديلاً واعداً للفولاذ وسبائك التيتانيوم في كثير من التطبيقات الهندسية.
عملية تحويل الخشب العادي إلى مادة خارقة
يبدأ السر الكامن وراء هذا الخشب المذهل بمعالجة كيميائية خاصة، يتبعها ضغط حراري عالي. في هذه المرحلة، تُغلى الأخشاب في محلول من هيدروكسيد الصوديوم وكبريتات الصوديوم، وهي عملية تشبه إلى حد ما المراحل الأولى لتصنيع لبّ الورق. بعد ذلك، يُضغط الخشب وتُزال الجدران الفاصلة بين خلاياه، في حين تساعد الحرارة على تشكيل روابط كيميائية جديدة تعيد ترتيب جزيئاته بطريقة أكثر إحكاماً.
وهذا يربط بين النهج الكيميائي المستخدم وقدرة العلماء على استغلال الطبيعة الدقيقة لتركيب الخشب. فعملية التقوية تعتمد على تزايد الروابط الهيدروجينية بين ألياف **السليلوز النانوية** الموجودة أصلاً في الخشب، ما يمنحه صلابة وكثافة مذهلتين مع الحفاظ على خفته المعهودة.
خصائص تتفوّق على الفولاذ
نتائج التجارب كانت مدهشة: الخشب الجديد أثبت مقاومة عالية للانضغاط والخدوش والرطوبة، كما أنه خفيف الوزن إلى درجة أنه أخف من الفولاذ بست مرات ولكنه يقاربه قوةً ومتانة. وفي تجربة مثيرة، أُطلقت عليه مقذوفات بسرعة عالية لتبيّن أن الرصاص استقر داخل المادة بدلاً من اختراقها، بعكس ما يحدث مع الخشب العادي. هذه الخصائص تجعل المادة الجديدة منافساً حقيقياً للفولاذ والألياف الكربونية، ولكن بتكلفة أقل وبصمة بيئية أقل بكثير.
وانطلاقاً من هذا النجاح المختبري، بدأ العلماء يتوسّعون في اختبار أنواع مختلفة من الأخشاب لمعرفة مدى التوافق مع التقنية، وتشير النتائج الأولية إلى أن معظم الأصناف قادرة على التفاعل الإيجابي مع عملية التقوية الجديدة.
تطبيقات واسعة وآفاق مستقبلية
إذا ما تم تطوير هذه التقنية على نطاق صناعي، فقد نراها قريباً في صناعة الطائرات والسيارات ومواد البناء، بل وحتى في إنتاج الأثاث المتين خفيف الوزن. يمكن لأخشاب سريعة النمو مثل الصنوبر أو البالسـا أن تحل محل أنواع بطيئة النمو وأكثر تكلفة كالتيك، ما يحدّ من الضغط على الغابات الطبيعية ويمنح الصناعة خياراً مستداماً واقتصادياً.
هذا يربط بين التوجه العالمي نحو **الاستدامة البيئية** وتطوّر مواد البناء الحديثة؛ فالمادة الجديدة تقدّم بديلاً صلباً وخفيفاً وصديقاً للبيئة قد يفتح فصلاً جديداً في عالم الهندسة الحيوية.
المستقبل الواعد للخشب الفائق
لا يزال أمام الباحثين خطوات لتسريع عملية التصنيع وتوسيع نطاقها، إلا أن سهولة تنفيذ التقنية وتكيّفها مع أنواع متعددة من الأخشاب يجعلانها واعدة للغاية. ويرى خبراء المواد أن هذا الابتكار قد يمهد الطريق لجيل جديد من المواد خفيفة الوزن وعالية الأداء، تجمع بين الجمال الطبيعي للخشب والقوة الفائقة للمعادن.
في النهاية، يبدو أننا أمام ثورة في عالم المواد، حيث يتحول الخشب — هذه المادة البسيطة التي «تنمو على الأشجار» — إلى عنصر هندسي خارق قد ينافس أقوى المعادن المستخدمة اليوم.









