هجوم من الداخل: كيف دمّر العلماء خلايا اللوكيميا بقطع الطاقة عنها

3 د
توصل باحثو جامعة تكساس لطريقة تحد من نمو سرطان الدم بدون أذية الخلايا السليمة.
يركز الاكتشاف على تقسيم مستويات البروتين SLC25A51 لتقليل الطاقة التي يغذي بها السرطان نفسه.
بدمج الاستراتيجية الجديدة مع الدواء الكيميائي أزاسيتيدين، زادت فعالية العلاج وارتفعت فرص النجاة.
تسعى الأبحاث لتطوير أدوية جديدة تعتمد على تقنيات التعديل الجيني لتقليل مستويات البروتين في البشر.
في خطوة لافتة قد تغيّر ملامح علاج أحد أكثر أنواع سرطانات الدم شراسة، توصّل باحثون من جامعة تكساس في أوستن إلى طريقة جديدة للحد من نمو سرطان الدم النقوي الحاد (AML) دون المساس بالخلايا السليمة. وتعد هذه النتيجة بمثابة بارقة أمل لآلاف المرضى حول العالم، لا سيما من الفئات الأكثر هشاشة كالطاعنين في السن.
تسعى الأبحاث العلمية منذ أعوام لإيجاد طرق أكثر فعالية وأقل خطورة لمعالجة سرطان الدم النقوي الحاد، المعروف بتفشيه السريع وقدرته على مقاومة العلاج. ويقتل هذا المرض الخطير نحو 11 ألف شخص سنويًا في الولايات المتحدة وحدها، وتزداد خطورته عند كبار السن الذين تقل فرص الاستجابة لديهم للعلاج التقليدي مثل زرع نخاع العظم.
كيف يغذي السرطان نفسه؟
لفهم سرّ تمكن خلية السرطان من النمو بسرعة مذهلة، ركّز فريق البحث بقيادة الدكتورة شياولو كامبرون من قسم علوم الأحياء الجزيئية على بروتين ناقل يُدعى SLC25A51. يعمل هذا البروتين كـ"خط وقود" يزود المتقدرات (ميتوكوندريا) في الخلايا بالطاقة اللازمة للعمليات الحيوية. اكتشف الباحثون أن خلايا سرطان الدم العدوانية تحاكي السيارة ذات المحرك القوي، إذ تعزّز من إنتاج هذا البروتين لتدفق مزيد من الوقود، مما يمنحها طاقة مضاعفة للنمو والانقسام.
هذا التعمق في وظائف النقل الخلوي ربط بين مدى ارتفاع مستويات SLC25A51 في مرضى سرطان الدم ومعدلات النجاة لديهم، حيث تبين أن المستويات المرتفعة تشير إلى تطور المرض بشكل أسرع ونتائج علاجية أقل إيجابية.
كبح السرطان دون أذية الخلايا السليمة
انطلاقًا من هذا الفهم، جرّب الفريق البحثي تقليل مستويات بروتين SLC25A51 لدى الفئران المصابة بالسرطان، فكانت النتائج مبشرة للغاية. فقد لوحظ تباطؤ في تطور المرض، وزادت فرص نجاة الحيوانات في التجارب المخبرية. والأهم، أن تقليل هذا الناقل داخل خلايا النخاع العظمي السليمة لم يُحدث أي ضرر، وهو ما يميّز هذا النهج الجديد عن الكيماوي التقليدي الذي غالبًا ما يضرب الخلايا السليمة أيضًا.
وهذه النتائج تربط بين آليات الاستهداف الجزيئي الحديث والسعي نحو علاجات أكثر أمانًا وفعالية للمصابين بسرطان الدم النقوي الحاد.
دمج الكيماوي مع كبح "خط الوقود
في سياق أبحاثهم، اختبر العلماء مزج استراتيجية تقليل SLC25A51 مع عقار الكيماوي التقليدي المعروف باسم أزاسيتيدين (5-azacytidine)، أحد العلاجات الشائعة ضمن بروتوكولات AML. المفاجأة كانت أن كبح نشاط البروتين الناقل جعل الخلايا السرطانية أكثر هشاشة أمام تأثير الدواء، مما أدى إلى نتائج علاجية أفضل وارتفاع معدلات النجاة في النماذج الحيوانية المختبرة.
هذا التطور العلمي يوضح أيضًا توجه الأبحاث الدوائية الجديد نحو تحويل السرطان من مرض عدائي يصعب كبحه إلى حالة يمكن التحكم بها بأدوية موجّهة بدقة نحو آلية بقائه الأساسية.
تجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن، لا تتوافر أدوية معتمدة مخصصة لتقليل مستويات SLC25A51 لدى البشر. إلا أن الخطوة القادمة للفريق العلمي هي تطوير مركبات آمنة وفعالة قادرة على تحقيق هذا الهدف، مستندين إلى استخدام تقنيات التعديل الجيني وتقنيات الهندسة الحيوية في نماذجهم المعملية.
خاتمة تربط النقاط
يتضح اليوم أن كشف أسرار "خط الوقود" الخلوي للسرطان قد يفتح الباب أمام جيل جديد من علاجات سرطان الدم النقوي، تعتمد على تقنيات الاستهداف الجزيئي وتقلل المضاعفات الجانبية للعلاج. وبينما تنتظر الأوساط الطبية النتائج النهائية وتطوير العلاجات البشرية، يبقى الأمل كبيرًا بأن تكون هذه الخطوة نقطة تحول في مسيرة القضاء على أخطر أنواع سرطانات الدم وتمنح المرضى حول العالم فرصة ثانية للحياة.