ذكاء اصطناعي

هل الكون مستعد لهذا؟ أول ليزر نيوترينو يُقترح لأول مرة!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

فيزيائيو MIT يطرحون فكرة "ليزر النيوترينو" كابتكار جديد في فيزياء الجسيمات.

التقنية تستخدم تبريدًا ليزريًا شديدًا لتوليد شعاع من النيوترينوات.

النيوترينوات تمر عبر المادة بسهولة وتعتبر جسيمات صعبة الرصد.

التطبيقات تشمل نقل المعلومات عبر الأرض واستخدامات طبية جديدة.

التجربة تواجه تحديات، لكنها تعد بآفاق مستقبلية واسعة.

في مفاجأة علمية قد تغير بوصلتنا لفهم الكون، طرح فريق من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) فكرة غير مسبوقة لصنع ما يمكن تسميته بثورة فيزياء الجسيمات: "ليزر النيوترينو". هذه التقنية الطموحة تعتمد على تبريد ذرات مشعة حتى تصل لدرجات حرارة أبرد من فراغ الفضاء، مما يمهد الطريق لتوليد شعاع كثيف ومنسق غير مرئي من النيوترينوات – تلك الجسيمات الشبحية التي تمر عبر أجسامنا دائماً دون أن نشعر بها.


عالم النيوترينوات: جسيمات شبحية متناهية الصغر


من المثير للدهشة أن النيوترينوات تصنف كأكثر الجسيمات المادية وفرة في الكون، وهي أخف حتى من الإلكترونات وأصغر من الفوتونات. تمر هذه الجسيمات عبر المادة بسهولة نادرة، لأنها بالكاد تتفاعل مع محيطها – ما يجعل رصدها تحدياً رهيباً للفيزيائيين. عادة ما تعتمد مختبرات البحوث على مفاعلات نووية ومسرعات جسيمات ضخمة، لإنتاج ذرات غير مستقرة تطلق أثناء تحللها نيوترينوات يمكن دراستها لتحديد كتلتها وخصائصها. إلا أن الاقتراح الجديد يَعِدُ بتغيير معايير اللعب كلياً، مستخدِماً منصة بحجم طاولة فقط لإنتاج "شعاع نيوترينوات" مكثف يشابه طريقة عمل أشعة الليزر الضوئية.

بداية الاقتراح الجريء تنبع من دراسة نشرها علماء MIT في دورية Physical Review Letters، حيث وصفوا كيف يمكن عند تعريض غاز من الذرات المشعة لتبريد ليزري شديد، أن يدخل حالة كمومية تعرف بتكاثف بوز-أينشتاين. هنا تبدأ الذرات تتصرف كوحدة واحدة متماسكة، وتتحلل معاً في الوقت ذاته – مما يسرّع إنتاج النيوترينوات بشكل لافت. استناداً إلى بحوث الفريق، يمكن لريادي التجربة أن يجمع مليون ذرة من روبيديوم-83 المشع وبدلاً من أن تحلل نصف الذرات خلال 82 يوماً (مدة عمر النصف الاعتيادي)، سيحدث ذلك خلال دقائق فقط!


تسريع اضمحلال الذرات عبر التبريد الكمومي


ويرتبط هذا الاكتشاف مباشرة بفكرة تسريع عمليات الإشعاع النووي للذرات باستخدام "التماسك الكمومي"، وهي خاصية تحدث فقط عند بلوغ درجات حرارة تقارب الصفر المطلق. حينها، تصبح كل الذرات وكأنها في حالة تخابر كمومي وتتحلل في انسجام متزامن. هذا بالطبع يؤدي إلى تدفق كثيف ومتزايد من جسيمات النيوترينو، يشبه في سوية تنظيمه فيض الفوتونات في ليزر الضوء التقليدي.

ولا تقف طموحات العلماء هنا؛ فنجاح التجربة يفتح الباب أمام استخدامات مدهشة: نقل المعلومات عبر باطن الأرض، حيث يمكن لشعاع النيوترينو اختراق الصخور دون أن يتأثر، أو حتى الاستفادة من النظائر المشعة الناتجة في التطبيقات الطبية، كتصوير الأنسجة وتشخيص الأورام.


الكون في ضوء جديد: من نشأة النيوترينوات إلى تطبيقاتها المبتكرة


ومن المثير ربط هذه الفكرة بتوزع النيوترينوات في الكون. فلكل ذرة موجودة هناك مليار نيوترينو تجوب رحاب الفضاء، أغلبها نشأ في اللحظات الأولى للانفجار العظيم ولا يزال يجوب كوننا ضمن ما يعرف بـ"خلفية النيوترينوات الكونية". تتولد هذه الجسيمات أيضاً أثناء التحام الأنوية داخل النجوم أو تفكك المواد المشعة على الأرض.

وهنا يمكننا رؤية الرابط بوضوح: الطموح العلمي اليوم يستهدف التحكم بهذه الجسيمات، بعد فترة طويلة من الاعتماد على طرق إنتاج ضخمة ومعقدة، ليفتح مجالاً لحلول تقنية صغيرة الحجم وعالية الكفاءة.


من العقبات إلى الأمل: واقع التجربة وتحدياتها


ورغم تميز الاقتراح، يعترف الفيزيائيون بأن تبريد ذرات مشعة حتى تصل لحالة تكاثف بوز-أينشتاين ليس مهمة سهلة، فغالبية النظائر المشعة تنهار قبل أن تنخفض حرارتها بما يكفي. لكن التطور المتسارع في تقنيات التبريد والمحاصرة الليزرية للذرات يجعل المحاولة جديرة بالاهتمام. وإذا نجح الفريق في تحويل الفكرة إلى واقع مختبري، سيصبح بالإمكان إعادة التفكير في وسائل كشف النيوترينوات، بل وفي تطوير وسائط تواصل جديدة وآمنة يصعب اعتراضها، بالإضافة لتعزيز تطور تقنيات التشخيص الطبي.

ذو صلة

آفاق المستقبل: هل سنرى "ليزر النيوترينو" واقعاً؟


وفي الختام، يجتمع تشويق الاكتشاف مع الرغبة في التحقق العملي: إذا نجح العلماء فعلاً في صنع ليزر نيوترينو مكتبي، فإننا سنشهد تحولاً جوهرياً في فهم ودراسة ودور هذه الجسيمات الغامضة، وستنفتح أمامنا مجالات لم تكن ممكنة من قبل في التواصل، والطب، وحتى دراسة أعمق أسرار الكون. إذا حدث ذلك، سيكون بالفعل بدأ زمن جديد للعلاقة بين الإنسان وجسيمات النيوترينو الهاربة من القيود الكلاسيكية للفيزياء.

ذو صلة