ذكاء اصطناعي

هل الوعي البشري محكوم بالتشابك الكمّي؟ نظرية جديدة تفتح آفاقًا مذهلة في علوم الدماغ

محمد كمال
محمد كمال

3 د

يتساءل الباحثون في جامعة شنغهاي عن دور التشابك الكمّي في الوعي البشري.

تطرح الدراسة أن مادة "المايلين" قد تسهم في التشابك الكمّي بالعقل.

الباحثون يستخدمون نماذج رياضية لبحث تأثير التشابك الكمّي على الوظائف الدماغية.

النتائج تشير إلى أن "المايلين" يعزز التزامن العصبي، المهم للوعي والإدراك.

تخيل معي، ماذا لو كان مصدر الوعي البشري، هذا الانتباه والوعي الذي نشعر به يوميًا، نابعًا من ظاهرة غامضة يسمى "التشابك الكمّي"؟ تبدو فكرة غريبة أقرب للخيال العلمي، لكن فريقًا من الباحثين بجامعة شنغهاي قد يكون اقترب من إثبات ذلك بالفعل!

لوقت طويل جدًا، اعتبر العلماء الدماغ كأنه حاسوب فائق السرعة، له قدرة حسابية هائلة وطاقة متجددة، وبالتأكيد يتفوق على أقوى الحواسيب فيما يتعلق بالكفاءة ومعالجة المعلومات. لكن الفارق الأساسي هو أن تلك الحواسيب تستند إلى فيزياء كلاسيكية معروفة، بينما هناك نوع آخر أكثر تطورًا وغموضًا يُعرف بالحواسيب الكمّية، ويعتمد في عمله على ظواهر فيزيائية كمّية تختلف جذريًا عن القواعد الفيزيائية التي نعرفها.


التشابك الكمّي في عقولنا

ما هو إذًا "التشابك الكمّي" الذي يتحدث عنه العلماء؟ ببساطة ودون تعقيد، هو ظاهرة فيزيائية تحدث عندما ترتبط جسيمات صغيرة جدًا تسمى "الفوتونات" ببعضها البعض بشكل غريب، بحيث إذا تفاعلت مع أحدهما، فإن الآخر يشعر بذلك فورًا، مهما كانت المسافة التي تفصل بينهما. هذه الظاهرة كانت مربكة بشكل كبير بالنسبة لأينشتاين نفسه، حيث وصفها بأنها "فعل مخيف عن بعد".

في الدراسة الجديدة المنشورة مؤخرًا في مجلة "Physics Review E"، يقترح الباحثون أن مادة دهنية تسمى "المايلين"، وهي غشاء يحيط بالأعصاب ويساعد في توصيل الإشارات الكهربائية بسرعة فائقة بين الخلايا العصبية، قد توفر بيئة مثالية لحدوث تشابك فوتوني كمّي. ببساطة، هذه الأغلفة الدهنية التي تغلف الأعصاب قد تكون بمثابة قنوات تلعب دورًا رئيسيًا في خلق الوعي وأداء وظائف الدماغ الإدراكية.

وقد استخدم الباحثون نماذج رياضية لبحث هذه النظرية، وأظهرت النتائج التي توصلوا إليها أن الأغشية المكونة من مادة المايلين لديها بالفعل القدرة على توليد أزواج من الفوتونات المتشابكة، مما يساهم - من وجهة نظرهم - في تحسين عمليات التزامن العصبي داخل الدماغ. والتزامن هذا هو أمر بالغ الأهمية في الوظائف الدماغية، كالوعي والتفكير السريع واستجابة الجسد بشكل متناغم.


تعقيدات إثبات النظرية وتجارب المستقبل

ومع ذلك، يدرك الباحثون أن هذه النظرية ما زالت تحتاج للعديد من التجارب البيولوجية الصعبة، مثل إثبات وجود هذه الظاهرة فعليًا في أنسجة حية مثل دماغ الفئران، وهو تحدٍ كبير يحتاج إلى تقنيات حديثة وأكثر تطورًا للكشف عن هكذا ظواهر دقيقة جدًا.

هذا الربط بين "المايلين"، وهي مادة مغلفة للألياف العصبية، و"التشابك الكمّي"، قد يعيد إحياء أفكار سابقة اقترحها في التسعينيات الفيزيائي البريطاني الشهير روجر بينروز وطبيب التخدير الأمريكي ستيوارت هاميروف، حيث طرحا سابقًا نظرية ما يسمى "الاختزال الموضوعي المنظم"، التي تفترض أن بعض الخصائص الكمّية موجودة في الدماغ وتؤثر على إدراكنا للواقع.

ولا شك أن النظريات التي تعاني من جدل علمي كهذه تجد في البداية معارضة شديدة، وهو ما عانى منه بينروز وهاميروف بعد نشر نظريتهما. لكن العلم دائمًا يبدأ بتساؤلات مثيرة وغير اعتيادية، وما يبدو اليوم فكرة غريبة ربما يصبح غدًا حقيقة علمية مثبتة.


إلى أين قد تأخذنا هذه الثورة في فهم الدماغ؟

قد تغيّر هذه الأفكار الصاعدة نظرتنا بشكل جذري إلى الوعي، وربما نعيد فهمنا للدماغ البشري تمامًا. فلو تبيّن بالفعل أن هناك ظاهرة كمّية تحدث داخل عقولنا، فإن ذلك قد يفتح آفاقًا واسعة لعلاج أمراض عصبية مستعصية، بالإضافة إلى تطوير تقنيات حاسوبية مستوحاة من الدماغ البشري.

ذو صلة

بينما لا تزال النظريات في مراحلها الأولى، فإن التقدم في هذه الأبحاث قد يوفر لنا في المستقبل القريب فهمًا أعمق وأكثر دقة لكيفية عمل العقل البشري على مستوى فيزيائي دقيق للغاية.

في النهاية، وبغض النظر عن صحة هذه النظرية بشكل كامل من عدمها، فهي تذكير قوي بالقدرة المذهلة للعقل البشري على طرح الأسئلة والبناء على فرضيات قد تبدو مجنونة في البداية لتصبح مع مرور الوقت حجرًا أساسًا في فهم الحياة وأسرار الطبيعة. ولعل اختيار كلمات أكثر قوة في وصف التجارب المستقبلية أو تبسيط التفسيرات العلمية قد يزيد من جاذبية هذه المواضيع ويجعلها أقرب لاهتمامات شريحة أوسع من القراء.

ذو صلة