هل حطّم الفراعنة تماثيل حتشبسوت انتقامًا أم احترامًا؟ دراسات جديدة تنسف الفكرة التقليدية!

3 د
تقدّم دراسة جديدة تفسيرًا للتدمير الشعائري لتماثيل الملكة حتشبسوت.
تعرّضت التماثيل لكسر عند المفاصل كجزء من طقوس دينية لتحريرها.
حملة تمسح أسماء حتشبسوت لم تكن كراهية بل لتعزيز شرعية تحتمس الثالث.
تكشف الدراسة عن تعقيد الدوافع السياسية وراء التحطيم وتقييم جديد لإرث حتشبسوت.
منذ عقود طويلة، ظل علماء الآثار يفسّرون تماثيل الملكة الفرعونية حتشبسوت المُحطمة على أنها مؤشر واضح على الانتقام السياسي والغضب الذي خيّم بعد وفاتها. ولكن يبدو أن هذه الرواية التقليدية على وشك التغير؛ ففي دراسة لافتة، قدّم عالم المصريات جون يي وونغ من جامعة تورنتو تفسيرًا جديدًا تمامًا لسر تحطم تماثيل الملكة الشهيرة.
التماثيل المكسورة ليست دائمًا علامة انتقام!
في مصر القديمة، لم يكن التمثال مجرد قطعة حجرية للزينة بل اعتُبر كيانًا حيًا تملؤه القوة الروحية والسحرية من خلال طقوس خاصة تُعرف باسم "فتح الفم". هذه الطقوس كانت تعطي التمثال قوة روحية قادرة على التدخل في عالم الأحياء. ولذلك عندما كانت التماثيل تفقد وظيفتها — كما في حالة وفاة الفرعون وضرورة خلق مساحة لصور وتماثيل الحكام الجدد — كان يجب إبطال قوتها الروحية بطريقة شعائرية دقيقة تُسمى "طقوس التعطيل".
هذه الطقوس كانت تتم من خلال كسر التمثال عند المفاصل الأساسية مثل العنق والخصر والركبتين، في إيماءة ترمز إلى تحريرها من وظيفتها المقدسة. وقد عُثر فعلًا على مئات من التماثيل "المعطّلة" بهذه الطريقة في معبد الكرنك بالأقصر، مما يثبت أن هذه الممارسة كانت شائعة وطبيعية جدًا بين المصريين القدماء.
هذا الاكتشاف الجديد يعطي تفسيرًا مختلفًا تمامًا لما حدث لتماثيل حتشبسوت، واحدة من أنجح فراعنة مصر وأكثرهم قوة. فمن خلال الدراسة التي قادها وونغ، ظهرت بوضوح دلائل تشير إلى أن تماثيل الملكة تعرضت لهذه الطريقة الدقيقة المنتظمة من التحطيم، وليس لما كان يُعتقد سابقًا أنه "حملة تخريب عدائية". بمعنى آخر، جاءت هذه الطقوس كنوع من الاحترام والتقدير الخاص، وليس للانتقام السياسي الوحشي كما كنا نظن.
ويعزز هذا التفسير رؤيةً أكثر تعقيدًا وإثارة للاهتمام عن الفرعون الأنثى الأكثر شهرة ونجاحًا في التاريخ المصري. فعلى مدار فترة حكمها التي استمرت قرابة عشرين عامًا (1473-1458 ق.م.) قادت حتشبسوت مصر بقوة وثقة، وأشرفت على مشاريع معمارية ضخمة مثل معبدها الجنائزي الشهير في الدير البحري، ونظمت حملة تجارية ضخمة وناجحة إلى بلاد "بونت" جلبت من خلالها الثروة والهدايا الثمينة مثل الذهب والجلود النادرة وشتلات نبات المر التي زُرعت حول معابدها.
الخلفيات السياسية وراء استهداف اسم حتشبسوت
كما أوضحت الدراسة، كان تحطيم التماثيل شيئًا مختلفًا كليًا عن ظاهرة طمس الأسماء والمسح المتعمد للصور – السمة التي ميّزت بشكل واضح فترة حكم خليفتها وابن زوجها الملك تحتمس الثالث. تشير الأدلة إلى أن تحتمس الثالث قام فعلًا بحملة منظمة لمسح أسماء حتشبسوت من الآثار والنقوش في محاولة واضحة لإضعاف ذكراها، لتثبيت شرعيته كحاكم مصر، وليس من باب الكراهية الشخصية كما افترض العلماء سابقًا.
ومع ذلك، فإن تعامله مع تماثيل الملكة بتلك الدقة الشعائرية يدل على أن دوافعه كانت ممزوجة باعتبارات سياسية معقدة، وأنه أدرك أهمية التماشي مع التقاليد الدينية والاجتماعية وقتها، وتفريقه بين مسألة محو الذكرى بشكل كامل وتصرفه نحو التماثيل التي تعد رموزًا مقدسة.
تمثل استنتاجات هذه الدراسة خطوة مهمة لتغيير الصورة التقليدية حول حكم حتشبسوت، وتعيد تقييم الطريقة التي تعامل بها خلفاؤها مع إرثها. كما تقترح أيضًا أننا بحاجة إلى نظرة أعمق في التفكير السياسي والديني عند الفراعنة، وعدم الاكتفاء بالتفسيرات البسيطة التقليدية.
لعل الباحثين في المرحلة القادمة يوسعون نطاق التحليل ليشمل المزيد من التماثيل لملوك آخرين بذات الطريقة، ويمكن أيضًا تعزيز المقال بتوضيح معنى بعض المصطلحات مثل "طقوس فتح الفم" والمفاهيم المتعلقة بها بصورة أوضح، والتي قد تثري فهم القارئ العام وترفع من مستوى تقريرنا هذا.