ذكاء اصطناعي

هل يختبئ ببغاء البحر من عدو غير مرئي؟ سر “الفقاعة المخاطية” المرعب

محمد كمال
محمد كمال

4 د

أجرى العلماء دراسة على سلوك أسماك ببغاء البحر أثناء نومها تحت الشعاب المرجانية.

تُعتبر أسماك ببغاء البحر حيوية للنظم البيئية للشعاب المرجانية وتساهم في تكوين الرمال.

تكشف الدراسة تنوع مواقع النوم واستراتيجيات الأمان لأسماك ببغاء البحر.

تستخدم بعض الأسماك شرانق مخاطية لحمايتها من المفترسات والطفيليات أثناء النوم.

تساعد هذه الاكتشافات في وضع خطط للحفاظ على صحة الشعاب المرجانية.

هل تساءلت يوماً كيف ينام الأسماك في أعماق البحار، خصوصاً تلك التي تلعب دوراً بالغ الأهمية في الحفاظ على صحة الشعاب المرجانية؟ يبدو أن هذا التساؤل لم يكن حكراً عليك، بل كان محور بحث دقيق ومثير أجرته مجموعة من العلماء لمراقبة سلوك أسماك ببغاء البحر أثناء نومها، ومن ثم كشف أسرار عاداتها الليلية واختيارها لمواقع الراحة في الأعماق.

في البداية، يجدر بنا التعريف بأسماك ببغاء البحر التي تُعد حجر الأساس في النظم البيئية للشعاب المرجانية. هذه الكائنات النشطة لا تقتصر مساهمتها على تقليم الطحالب التي تهدد المرجان بالاختناق فحسب، بل تلعب أيضاً دوراً خفياً في خلق الرمال البيضاء الفاخرة التي تزين الشواطئ وطبيعتها الخلابة، حيث يحطم ببغاء البحر قطع المرجان الصلب ويفتتها ليخرجها على شكل حبيبات رملية، إذ يمكن للفرد الواحد إنتاج نحو 90 كيلوغراماً من الرمال سنوياً. وهذا كله يجعل سلوكه، نهاراً وليلاً، بالغ القيمة للأبحاث العلمية.


اختيار مواقع النوم عند ببغاء البحر: أنماط متنوعة وتكتيكات ذكية


كان الباحثون أمام تحدٍ كبير: كيف تراقب حيوانات بحرية أثناء نومها، وسط الظلام وتحت سطح الماء؟ اختاروا إحدى الشعاب المرجانية في خليج العقبة الشمالي لمتابعة عينة متنوعة من 225 فرداً يمثلون 11 نوعاً من ببغاء البحر في مختلف أعمارهم وأطوارهم الحياتية. المثير أن أفراداً كثيرة من هذه الأنواع تبيّن أنها تفضل النوم قريباً من قاع البحر، حيث تقل فرص الوقوع ضحية لمفترسات الليل. البعض الآخر كالببغاء الأسود وببغاء قزحي الألوان، لجأ إلى المناطق العالية نسبياً فوق القاع، ربما لاعتماده على مهارات تمويه أو مراوغة مميزة. وتوضح هذه النتائج أن حتى في عالم الأسماك، ليس هناك نمط ثابت، بل تتنوع استراتيجيات الأمان وتوزيع المخاطر حسب النوع والبيئة المحيطة.

ولتعميق الرؤية، اتضح أن بعض الأنواع تفضل الاختباء تحت الصخور أو الشعاب، حيث يكون الجسم مخفياً نسبياً عن الأنظار، فيما تجرأ البعض على النوم في أماكن مكشوفة جزئياً أو حتى بشكل شبه كامل. فأسماك ببغاء الرأس القوي، على سبيل المثال، غالباً ما تترك نصف أجسامها ظاهراً، بينما تستلقي أخرى – مثل القزحي – بشكل مكشوف بنسبة تصل إلى 86%. قد تبدو هذه الخيارات محفوفة بالمخاطر، لكن الباحثين يشيرون إلى احتمال استفادة هذه الأنواع من فرصة اكتشاف الخطر مبكراً والفرار بسرعة، خصوصاً في حال غياب مخابئ معقدة بالشعاب.

هذا التنوع في أنماط النوم يثير تساؤلات أعمق حول كيف تطورت هذه الاستراتيجيات، وكيف يمكن أن تؤثر التغيرات البيئية على بقاء الأنواع المختلفة من ببغاء البحر.


الشرنقة المخاطية: ابتكار ليلي غامض


ومن بين أغرب سمات ببغاء البحر، قدرة بعض أنواعه على إفراز شرنقة مخاطية شفافة تحيط بالجسم ليلاً. يقوم السمك بتكوين الشرنقة من الفم تدريجياً قبل الغفو، ويعتقد العلماء أن هذه الطبقة الواقية قد تخفي رائحته عن الأسماك المفترسة أو تمثل حصناً من الطفيليات. رغم ذلك، تظل وظيفة الشرنقة لغزاً نسبياً؛ فقد ظهر في الدراسة أن هذه السلوكيات ليست منتشرة على نطاق واسع داخل المجموعة المدروسة، إذ لم يسجل إلا 10 حالات فقط بين 225 سمكة خضعت للفحص. ولم يكن هناك ارتباط بين ظهور الشرنقة ونوع الموقع أو مدى تعقيد بيئة الشعاب أو درجة التعرض، ما يشير إلى أن تكوينها قد يرتبط بالضغط أو الإصابة وليس كخيار اعتيادي ثابت.

هذه التركيبة المعقدة بين استراتيجيات الأمان والسمات الفيزيولوجية تُظهر مدى قدرة الأسماك على التأقلم مع تحديات الحياة الليلية والتصدي لمفترسات البحر والحفاظ على بقائها. ومن المثير متابعة كيف يمكن أن تتغير هذه الأنماط إذا ما واجهت الشعاب المرجانية المزيد من الضغوط مثل التغير المناخي أو زيادة نشاط البشر.


أهمية النتائج لإدارة الشعاب المرجانية

ذو صلة


بالانتقال من تفاصيل السلوكيات إلى صورة أكبر، يُجمع فريق البحث على أن فهم أنماط نوم واختيار مواقع ببغاء البحر ليلاً مهم للغاية عند وضع خطط للحفاظ على الشعاب المرجانية وإدارة المصايد البحرية. فهذه الأسماك تلعب دوراً جوهرياً في مقاومة تدهور النظام البيئي، ومن دون إدراك لسلوكها الليلي، قد يغفل القائمون على الحماية أهمية مواقع بعينها أو ظروف معينة تحفظ أعداد هذه الكائنات. كما أن استمرار البحث في هذا المجال من شأنه كشف المزيد من الروابط بين صحة الشعاب المرجانية ومرونة الأسماك أمام التغيرات البيئية المتسارعة.

ختاماً، يبدو أن ما يجري ليلاً تحت سطح البحر يحمل أسراراً أكثر مما كنا نعتقد، يضبطها إيقاع الطبيعة ونبض النظام البيئي للشعاب. إن متابعة عادات ببغاء البحر أثناء النوم لا تكشف فقط عن تكيف مذهل مع بيئة متنوعة التحديات، بل توفر مفاتيح جديدة لفهم أعمق لسبل حماية كنوزنا البحرية مستقبلاً.

ذو صلة