هل يمنع الهاتف والواي فاي العلماء من مراقبة الثقوب السوداء لتحديد موقعنا في الكون؟

3 د
قد تؤثر التكنولوجيا الحديثة كالهاتف والواي فاي على مراقبة الثقوب السوداء.
العلماء يستخدمون الثقوب السوداء كمراجع لتحديد مواقع الأقمار الصناعية بدقة.
التداخل الإلكتروني يعيق التقاط إشارات الثقوب السوداء المهمة لتحديد المواقع.
الحلول تتطلب تخصيص مسارات ترددية للتقنيات العلمية والتعاون الدولي.
رفع الوعي حول تأثير الإشارات الإلكترونية ضروري لضمان دقة خدماتنا اليومية.
في عالم أصبحت فيه التكنولوجيا من أساسيات الحياة، بدءاً من الهواتف الذكية التي نحملها في جيوبنا إلى الإنترنت اللاسلكي (الواي فاي)، قد يكون أمراً غريباً أن ترتبط هذه التقنيات الحديثة بشيء بعيد وغامض كالثقوب السوداء في المجرات البعيدة. لكن ماذا لو أخبرتك أننا نستخدم مواقع هذه الثقوب السوداء لمعرفة موقعنا على الأرض بدقة؟
ربما تبدو الفكرة غريبة بالنسبة إليك، لكنها من التقنيات التي يعتمد عليها العلماء في قياس دقيق لموقع الأرض والساتلايت في الفضاء. والعلم المسؤول عن هذه المهمة هو "الجيوديسيا"، وهو العلم المختص بدراسة شكل الأرض وتحديد موقعها وفيزيائها بدقة عالية، مما يتيح لأقمارنا الصناعية العمل بدقة، سواء لخدمات الملاحة في هواتفنا أو لمراقبة تغيّر المناخ أو إدارة شبكات الكهرباء والقطاع المالي.
إشارات من أعماق الكون
لفهم كيفية عمل هذا النظام، لا بد أولاً من معرفة أننا على الأرض نحتاج إلى نقاط ثابتة في الفضاء للاعتماد عليها كمرجع موثوق، تسمح بقياس مواقع الأقمار الصناعية بدقة. وهنا تحديداً يأتي دور الثقوب السوداء العملاقة في مراكز المجرات البعيدة. إذ تُطلق هذه الثقوب إشارات موجية واضحة ومستقرة في نطاق الموجات الراديوية، وهي نقطة مرجعية مثالية لا تتغير، وسيلة لضمان دقة القياسات التي نعتمد عليها لخدماتنا الحديثة.
لكن هناك مشكلة بدأت تتزايد في السنوات الأخيرة. فالطريق أو "الطيف الترددي" لهذه الموجات الراديوية الذي كان هادئاً نسبياً، تحوّل اليوم إلى طريقٍ مزدحم بسبب الارتفاع الكبير في استخدام الأجهزة اللاسلكية – كشبكات الواي فاي، والهواتف الذكية المزودة بخدمات الجيل الرابع والخامس وحتى السادس في المستقبل القريب، وكذلك الإنترنت الفضائي الذي يعتمد على آلاف الأقمار الصناعية.
وهذه "الزحمة" أصبحت كحاجز يعوق العلماء من التقاط إشارات الثقوب السوداء الضعيفة نسبياً، لأنها تُغطّى بالإشارات القوية من شبكات الاتصالات، مما يشكل خطراً على دقة خدمات تحديد المواقع العالمية وغيرها من الأنظمة الضرورية.
وهذا يفسر سبب بحث العلماء عن حلول جدية وعاجلة لضمان استمرار حصولنا على إحداثيات دقيقة. فالعالم اليوم يعتمد على هذه الإحداثيات في كل شيء تقريباً، بدءاً من توجيه حركة الملاحة الجوية والبحرية وإدارة الأنظمة اللوجستية والشحن العالمية، وصولاً إلى عمل القطاع البنكي والكهربائي وحياتنا اليومية بشكل عام.
ما الحلول الممكنة؟
لحماية هذه الأنظمة وضمان عملها بدقة عالية، يؤكد العلماء على ضرورة الحصول على مساحات أو "مسارات ترددية" خاصة ومحفوظة لهم ضمن "الطيف الترددي" الرئيسي. ويتطلب هذا الأمر تعاوناً دولياً قوياً بين الدول، حيث يجري التفاوض على تخصيص الأقسام المختلفة من الطيف عبر اجتماعات ومؤتمرات عالمية.
كما يُفكّر العلماء حالياً في تدابير أخرى مثل إنشاء مناطق هادئة (خالية من التداخل الإلكتروني) حول التلسكوبات الراديوية الأساسية على الأرض، وكذلك التعاون مع مشغلي الأقمار الصناعية لضمان توجيه بث الأقمار بعيداً عن هذه المراصد الحساسة.
حتى يصل العالم إلى هذه الحلول العالمية المرجوة، فإن الخطوة التي يراها العلماء ضرورية اليوم هي رفع مستوى الوعي حول أهمية هذه المسألة؛ لأن خدماتنا اليومية التي نعتمد عليها بكثافة، مثل خرائط الجي بي إس ومعاملاتنا المالية الإلكترونية وحتى وصول المواد الغذائية إلى أسواقنا المحلية، تعتمد بصورة كبيرة على استقرار واتضاح هذه الإشارات من مراكز الثقوب السوداء البعيدة.
يبدو التحدي كبيراً لكن الحلول ممكنة، وربما يمكننا جميعاً المساهمة في هذه الحلول من خلال الوعي، وتشجيع الجهات المعنية على اتخاذ خطوات تحمي مصالح البشرية من أجل مستقبل أكثر وضوحاً واتصالاً وسلامة. في النهاية، علاقتنا بالثقوب السوداء قد تكون أكثر أهمية وقرباً مما كنا نتصوّر.