ذكاء اصطناعي

هل يُغيّر الذكاء الاصطناعي قواعد لعبة علوم الحاسوب؟ نقطة تحول تُثير تساؤلات حول مستقبل الوظائف التقنية

فريق العمل
فريق العمل

3 د

يشير الخبراء إلى تراجع الإقبال على دراسة علوم الحاسوب في السنوات الأخيرة.

تباطأت سوق العمل التكنولوجية، وتأثرت بتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

التقنية الحديثة قد تشكل تهديدًا لوظائف البرمجة التقليدية بسبب قدرة الذكاء الاصطناعي العالية.

ينصح الخبراء بالتركيز على المهارات المرنة ودمج العلوم الاجتماعية لتحسين فرص العمل.

لوقت طويل، كانت دراسة علوم الحاسوب بمثابة الطريق الذهبي إلى وظائف المستقبل. فقد اعتاد الخريجون في هذا المجال على حصولهم سريعًا على وظائف بمرتبات مغرية في شركات التقنية العملاقة مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت. لكن في الأعوام الأخيرة، تغير المشهد جذرياً، وانقلبت المعادلة رأسًا على عقب.

فبحسب تواصل حديث مع أساتذة وخبراء بالجامعات الأمريكية، تراجع الإقبال على تخصص علوم الحاسوب بشكل واضح. في الوقت الذي تضاعفت فيه أعداد الطلاب في هذا المجال أربع مرات بين عامي 2005 و2023، فإن العام الحالي شهد زيادة طفيفة للغاية تبلغ 0.2% فقط على مستوى الولايات المتحدة ككل. بل أكثر من ذلك، جامعات كبرى مثل ستانفورد وبرينستون وديوك بدأت تشهد تراجعًا فعليًا في عدد طلاب مجالات الحوسبة. رئيس قسم علوم الحاسوب في جامعة برينستون أشار إلى أن عدد خريجي التخصص قد يقل بنسبة تصل إلى 25% خلال العامين القادمين، كما لاحظت جامعة ديوك انخفاضًا في أعداد الطلاب المسجلين في الدورات التمهيدية بنحو 20% خلال العام الماضي فقط.

ويبدو أن هذا التراجع يرتبط مباشرة بالتغيرات العميقة التي شهدتها سوق العمل التكنولوجية مؤخرًا. فالعديد من الشركات الكبرى عانت من موجة تسريح في العامين الماضيين، كما تباطأ توظيف خريجي علوم الحاسوب للمرة الأولى منذ سنوات طويلة. ولكن، المفاجأة الحقيقية هي أن المتسبب الأول في انخفاض الطلب على مهارات البرمجة هو التكنولوجيا نفسها، وبالتحديد تقنيات الذكاء الاصطناعي.

فوفقًا لدراسة حديثة أجراها مركز "بيو" الأمريكي، يرى عديد من الناس الآن أن الوظائف الأكثر عرضة للتبديل هي مهام المهندسين والبرمجيات، إذ يقوم الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) بكتابة الأكواد بدقة وكفاءة تنافس عمل الإنسان. وباتت كبار الشركات التقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي في كتابة ربع أكوادها البرمجية على الأقل، وهو ما أعطى انطباعًا بأنه من الممكن خفض أعداد القوة العاملة البشرية في مجال البرمجة بشكل كبير.

وهذا تحديدًا ما لاحظه كريس جروب، الطالب في الدكتوراه في علوم الحاسوب بجامعة تينيسي، الذي بات يبحث عن وظيفة لمدة ثمانية أشهر دون طائل. وعلى الرغم من مؤهلاته العالية وتخصصه في الذكاء الاصطناعي ذاته، إلا أنه واجه صعوبة هائلة في العثور على فرصة عمل مناسبة، حتى وصل بالأمر إلى التفكير في تغيير مساره المهني بالكامل.

من جهة أخرى، لا يتفق الجميع على فكرة أن الذكاء الاصطناعي وحده مسؤول عن هذا التباطؤ. البعض يعتقد أن سوق التقنية يتقلب بطبيعته وأن العوامل الاقتصادية بشكل عام، مثل أسعار الفائدة المرتفعة أو التدابير الحكومية، قد تكون المسؤول الحقيقي عن هذا التراجع. فالأستاذ في الاقتصاد بجامعة هارفارد، ديفيد ديمينج، يوضح أن الشركات تبحث دائمًا عن مبرر خارجي لقرارات تقليص العمالة.

ومع ذلك، فإن رد الفعل الطبيعي للطلاب حول هبوط الوظائف الجديدة في هذا المجال بدأ يظهر واضحًا من خلال انخفاض معدلات التسجيل في تخصص علوم الحاسوب. الخبراء يشيرون إلى أن الطلاب يتجنبون التخصصات التي تشعرهم بعدم استقرار فرص العمل مستقبلاً.

لكن بعيدًا عن التقلبات الحالية، فهناك من يعتقد بأن المجال لم يفقد بريقه نهائيًا، وإنما هي مرحلة تغيير طبيعية سيشهد بعدها انتعاشًا جديدًا. إذ تشير بعض التجارب السابقة إلى أن تراجع الطلب يليه في العادة ارتفاع في أجور المختصين النادرين، مما يعيد الجاذبية للتخصص مرة أخرى.

ذو صلة

وفي الوقت ذاته، يرى خبراء الاقتصاد أن نصيحتهم الدائمة هي الحصول على تعليم يؤهلك لاكتساب مهارات مرنة ومتنوعة تستطيع التأقلم مع متغيرات السوق. وأظهرت دراسات حديثة نتائج غير متوقعة، إذ تبين أن خريجي التخصصات الإنسانية والاجتماعية يحققون دخلاً أفضل على المدى الطويل مقارنة بزملائهم الذين تخصصوا في البرمجيات أو الهندسة، بسبب اكتسابهم للمهارات الاجتماعية والتحليل النقدي التي تبحث عنها الشركات فعلاً.

في الختام، ربما يكون من المبكر القول إن عصر علوم الكمبيوتر قد انتهى بالفعل، لكن من الواضح أنه يمر حالياً بنقطة تحول جذرية تدفعنا لإعادة التفكير في المهارات الأفضل للتعامل مع مستقبل يتسارع التغير فيه كل يوم. وربما يكون من المفيد لنا أن نفكر في توسيع نطاق اهتمامنا ليشمل المزيد من التخصصات الإنسانية والاجتماعية التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي وحده القيام بها.

ذو صلة