ذكاء اصطناعي

وجهك = ممتلكاتك! قانون دنماركي جديد يغيّر قواعد اللعبة

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تسعى الدنمارك لتعديل قوانينها لمنح الأفراد حقوقًا حصرية في ملامحهم الشخصية.

تأتي هذه الخطوة لمواجهة تحديات تقنيات الديب فيك المتقدمة.

تستهدف التعديلات تمكين الأفراد من حذف المواد الرقمية المحاكية لشخصياتهم دون إذنهم.

نالت المبادرة دعمًا واسعًا في البرلمان الدنماركي لتعزيز الحقوق الفردية.

تسعى الدنمارك لاستخدام رئاستها للاتحاد الأوروبي لدفع باقي الدول لاتخاذ خطوات مشابهة.

في خطوة هي الأولى من نوعها على مستوى أوروبا، أعلنت الحكومة الدنماركية عن عزمها تعديل قوانين حقوق النشر لمنح الأفراد الحق الحصري في ملامحهم الشخصية، من الصوت وحتى تفاصيل الوجه والجسد. يأتي هذا التوجه كإجراء لمجابهة التحديات المتصاعدة التي تفرضها ظاهرة الديب فيك، أي تلك الصور والفيديوهات المزيفة عالية الدقة التي تُنتَج بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتي باتت قادرة على نسخ ملامح وصوت الأشخاص بشكل واقعي يُثير الدهشة وأحياناً القلق.

الخطوة الدنماركية حملت رسالة واضحة تقول: صورة كل فرد وصوته وملامحه ليست مادة مستباحة للعبث الرقمي. فالوزير الدنماركي للثقافة، ياكوب إنجل-شميت، شدد في تصريح له على أن هذا التوجه هو بمثابة “إعلان لا لبس فيه أن لكل إنسان الحق في جسده وصوته وصورته”، مؤكداً أن القوانين الحالية لم تعد كافية لمواجهة مخاطر تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتي تسمح بنسخ الأشخاص رقمياً بشكل قد يُستخدم في أحيان كثيرة لأغراض خداعية أو مسيئة. وهكذا، نجد أن الحكومة تريد سد الثغرة التشريعية الناتجة عن تطور الذكاء الاصطناعي السريع.


حماية الهوية في زمن الذكاء الاصطناعي

في هذا السياق، تسعى التعديلات المزمعة على قانون حقوق النشر إلى تمكين الأفراد في الدنمارك من المطالبة بحذف أي مواد رقمية تحاكي شخصياتهم بدون إذنهم على المنصات الإلكترونية المختلفة، سواء كانت فيديوهات، تسجيلات صوتية، أو حتى صور متحركة. وهذا التوجه يمنح المواطنين أدوات قانونية جديدة تمنع استغلال سماتهم للابتزاز أو التشويه أو الانتحال، خاصة في ظل انتشار الاستخدامات الخبيثة لمقاطع الديب فيك. وتستند التعديلات إلى مفهوم أن الانتحال الرقمي، حتى وإن بدا مسلياً أو احترافياً، يحمل مخاطر تهدد الخصوصية وسلامة الهوية الرقمية لكل شخص. وهذا بالتالي يعكس تطلعات الدنمارك لحماية حقوق الملكية الفردية في الفضاء الرقمي.

جرت مناقشة الاقتراح بشكل موسع بين مختلف الأحزاب السياسية في البرلمان، وحصل على دعم شبه جماعي، بما يعكس إدراكاً اجتماعياً بقيمة هذه القضية في المجتمع الدنماركي الذي يولي أهمية قصوى للحقوق الشخصية والقانونية. ومن المقرر أن تُجرى مشاورات موسعة تمهيداً لإقرار التعديلات خلال دورة الخريف البرلمانية القادمة.

وتكمن أهمية هذه الخطوة في كونها توضح للعالم كيف يمكن للتشريع مواكبة الجوانب المظلمة للتغيرات التقنية السريعة. فمن خلال هذا القانون، لم تعد الأصوات أو الصور الفوتوغرافية أو حتى أداء الفنانين مادة طيعة لاستنساخات الذكاء الاصطناعي دون رادع.


تداعيات إقليمية ودولية... ورسالة للمنصات الرقمية

ما يميّز المشروع الدنماركي أيضاً هو إشاراته الواضحة إلى شركات التكنولوجيا الكبرى مثل منصات التواصل الاجتماعي، إذ ينص القانون المرتقب على إمكانية فرض غرامات باهظة وحتى تدخل على مستوى الاتحاد الأوروبي في حال لم تلتزم هذه المنصات بحماية حقوق الأفراد. ويشير الوزير بوضوح إلى أن الدنمارك ستستخدم رئاستها المقبلة للاتحاد الأوروبي لدفع بقية الدول نحو تقنين مشابه، الأمر الذي قد يرسم ملامح حركة أوروبية شاملة لتنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي في قضايا الشأن الخاص.

وبرغم الصرامة، لم تغفل الحكومة الدنماركية عن الإبداع الفني أو التعبير الساخر. فقد أكدت أن المواد الساخرة أو الكوميدية أو المحاكاة التي تدخل ضمن نطاق النقد أو الفن ستظل مصانة من أي قيود مبالغ فيها، حفاظاً على هامش حرية التعبير.

ذو صلة

ومن هنا، يتضح أن الدنمارك لا تعالج فقط مسألة الحقوق الفردية، بل تشير أيضاً إلى منظومة متكاملة تشمل الجانب التقني، التشريعي والاجتماعي لهذا التطور الرقمي، وتضع المنصات التكنولوجية تحت الاختبار حول مدى التزامها بالقوانين الجديدة في هذا المجال المتغير سريعاً.

في المحصلة، تستبق الدنمارك الموجة المقبلة من تحديات الذكاء الاصطناعي عبر تشريعات حاسمة تضع الكرامة الشخصية والحقوق الرقمية في المقدمة، وترسل رسالة قوية مفادها أن لكل إنسان سيطرة حقيقية على صورته وصوته وهويته في العالم الافتراضي. ومن المرجح أن تفتح هذه الخطوة الباب أمام نقاشات واسعة أوروبياً حول أفضل السبل لحماية الذوات في ظل تطور الذكاء الاصطناعي ودخولنا عصر الديب فيك الواقعي بلا حدود.

ذو صلة