ذكاء اصطناعي

وحش تولي: اللغز القديم الذي يعجز العلماء عن حله رغم مرور 300 مليون عام

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتُشف "وحش تولي" عام 1955، وما يزال يُحير العلماء حتى اليوم.

تنوعت النظريات حول تصنيفه بين الديدان والرخويات والمفصليات.

أظهرت الأبحاث الأخيرة أنه مخلوق من الحبليات اللافقارية.

الجدل مستمر بسبب ندرة التفاصيل الدقيقة للأحافير.

يبقى مستقبل البحث مليئًا بالتوقعات للكشف عن حقيقته.

تخيّل معي أن علماء الحفريات عثروا على مخلوق غريب منذ حوالي 70 عامًا، لكنهم لم يستطيعوا حتى اليوم تحديد هويته ولا تصنيفه. قد يبدو الأمر مثل قصة خيالية، إلا أن هذا تمامًا ما حدث مع "وحش تولي" (Tully Monster)، المخلوق الذي عاش قبل الديناصورات بنحو 300 مليون سنة، وما يزال لغزًا يصعب حلّه.

تم اكتشاف هذا الكائن الغريب لأول مرة عام 1955 في منطقة "مازون كريك" بولاية إلينوي الأمريكية بواسطة جامع الحفريات الهاوي "فرانسيس تولي". منذ ذلك الوقت، احتار العلماء في كيفية تصنيفه؛ فشكله غير المألوف لم يكن يشبه أي مخلوق معروف لدى العلماء من قبل. تخيل جسمًا يشبه السمكة، وخرطومًا طويلاً ينتهي بمخلب غريب مليء بالأسنان، وأعيناً مثبتة على ذراع بارزة تمتد من ظهره. رغم هذه التفاصيل المذهلة، ظل العلماء يتساءلون أين يمكن أن يوضع هذا الكائن الغامض ضمن شجرة الحياة التصنيفية.


نظريات عديدة ولا اتفاق حتى الآن!

أحاول أن أتخيل كيف شعر الخبراء بالحيرة عندما عاينوا هذه الأحفورة لأول مرة. بعض العلماء صنفوه ضمن الديدان المقسمة، والبعض الآخر ربطوه بالرخويات أو بالمفصليات، وهي تلك المجموعة التي تضم كائنات منوعة مثل الحشرات والسرطانات والدودة الألفية. لكن المشكلة أنه لا ينتمي لأي من هذه المجموعات بشكل تام.

تحدّثت الدكتورة فيكتوريا ماكوي، خبيرة الحفريات من جامعة ويسكونسن ميلووكي، عن علاقتها بهذه المخلوقة، حين قالت إنها منذ طفولتها وهي تحلم بأن تحلّ لغز تصنيف "وحش تولي". وبالفعل، في عام 2016، نشرت مع فريق بحثي دراسة في مجلة "نيتشر" ذكرت فيها أن "وحش تولي" ربما يكون حيواناً فقارياً؛ أي أنه يمتلك بنية داخلية أولية تشبه العمود الفقري، واعتبروا أنه قد يكون من أقارب أسماك اللامبري.

ولكن هذا الاستنتاج لم يدم طويلاً. في دراسات لاحقة، استخدم الباحثون تقنيات حديثة مثل المسح بالليزر ثلاثي الأبعاد للأحفوريات، وكانت النتيجة مفاجئة: الفحوصات الحديثة رجّحت أنه كائن من الحبليات اللافقارية (كائن يُشبه الفقاريات لكنه لا يمتلك عموداً فقرياً حقيقياً). وهذا يعني أنه سيكون أقرب لأشكال الحياة البسيطة مثل السهيم أو كائنات التونيكات البحرية المعروفة باسم نافورات البحر.


لماذا يستمر الجدل؟

ولكي نستوعب سبب استمرار هذا الجدل، علينا أن نعلم أن "وحش تولي" عُثر عليه من فترة جيولوجية حديثة نسبياً، عمرها نحو 300 مليون عام. عادة ما تكون هذه الفترة الجيولوجية معروفة لدينا بحفرياتها، والأنواع التي عاشت خلالها مُصنفة بشكل واضح. الأمر الغريب بأن نجد كائناً بهذا العمر وما زلنا عاجزين عن تصنيفه تصنيفاً دقيقاً وواضحاً.

السبب في ذلك وفقاً لماكوي، يرجع جزئياً إلى نوع الحفظ الخاص بأحفوريات مخلوق مازون كريك. مع أن هذا الموقع قدّم آلاف العينات من هذا الوحش، لكن التفاصيل الدقيقة لأجهزته الداخلية وأنسجته العضلية نادرة للغاية، مما يزيد من الغموض ويصعب الحصول على صورة واضحة عن تركيبه التشريحي الكامل.


المستقبل قد يحمل المفاجآت!

رغم هذه الحيرة، العلماء لم ييأسوا بعد من احتمالات معرفة الحقيقة يومًا ما. تأمل ماكوي وبقية الخبراء في العثور على عينات أكثر تفصيلاً في مواقع أخرى حول العالم، ربما تكون محفوظة بصورة أفضل وتكشف التفاصيل الداخلية الدقيقة. هي على ثقة بأن دراسة المكوّنات الدقيقة الداخلية ستسمح للعلماء أخيرًا بوضع "وحش تولي" في مكانه الصحيح ضمن شجرة الحياة.

ذو صلة

ورغم أن احتمال اكتشاف شعبة جديدة أو مجموعةٍ حيوانية مجهولة هو احتمال مثير للغاية، لكنه مستبعد قليلاً. يُرجح العلماء أن "وحش تولي" سيكون ضمن مجموعات معروفة علميًا، وأن الغموض الحالي نابع من قصور الأدلة والصور المتوافرة عنه وليس بالضرورة من كونه فريداً في تاريخ الحياة على الأرض.

يبدو أن المستقبل فقط هو الذي سيحسم هذه المسألة، والأيام القادمة ربما تحمل مفاجأة كبيرة للعلماء وعشاق الحفريات حول العالم. وإلى أن يتم حل اللغز، يبقى "وحش تولي" رمزًا لمدى غموض كائنات الأرض القديمة، وتذكيراً دائماً برحابة البحث العلمي واتساع نطاق المجهول في تاريخ الحياة على كوكبنا الأزرق.

ذو صلة