وحش صغير نجا من الديناصورات… وما زال يطاردنا حتى الآن!

3 د
تعرف عناكب البجع بشكلها المميز وظهورها قبل 165 مليون عام.
هي ليست طيورًا ولا زواحف، بل مفترسات تصطاد من مسافة آمنة.
تم اكتشاف عشرات الأنواع الحديثة في مدغشقر وجنوب أفريقيا.
صمدت أمام تغييرات المناخ والكوارث الطبيعية مثل حرائق الغابات.
مدغشقر تعتبر موطنًا غنيًا لتنوع عناكب البجع وأكثر من 20 نوعاً.
في زوايا مظلمة من الغابات الاستوائية بأفريقيا ومدغشقر وأستراليا، تعيش مخلوقات عجيبة ظن العلماء لوقت طويل أنها انقرضت. هذه الكائنات ليست طيوراً ولا زواحف، بل عناكب قديمة تُعرف باسم **عناكب البجع**، تحمل في شكلها الغريب مزيجاً يثير الدهشة بين الطائر والمفترس الصغير.
ولعل ما يجعل هذه العناكب استثنائية ليس فقط شكلها المثير، بل كذلك تاريخها العميق. إذ إن السجل الحفري يكشف أنها ظهرت قبل أكثر من **165 مليون عام**، أي أنها سكنت الأرض في زمن الديناصورات واستطاعت رغم ذلك أن تواصل العيش حتى اليوم. وهذا يربط بين ماضيها السحيق وقدرتها على التكيف مع البيئات العصرية.
مفترسات بملامح غريبة
ما يميز عناكب البجع هو أعناقها الطويلة وزوائدها الحادة التي تشبه المنقار، وهي أدوات متطورة تتيح لها اصطياد فريستها من مسافة آمنة. على عكس معظم العناكب التي تنسج الشِباك وتنتظر، فإن هذه العناكب تخرج في **رحلات صيد نشطة**، متتبعة آثار الحرير التي تتركها عناكب أخرى. هذه المهارة تجعلها صياداً متخصصاً في افتراس أبناء جنسها، ما يضفي على استراتيجيتها بعداً فريداً في عالم العناكب. ومن هنا يتضح كيف حافظت على وجودها عبر ملايين السنين بفضل تكتيك الصيد المختلف.
هذا السلوك المثير يفتح الباب أمام تساؤلات أكبر حول مقدار التنوع داخل هذه العائلة القديمة.
تنوع ما زال يُكتشف
لفترة طويلة اعتقد الباحثون أن هذه العناكب ليست سوى ذكريات محصورة في كتل من الكهرمان. لكن الاكتشافات الحديثة قلبت الموازين، إذ تم التعرف على عشرات الأنواع الجديدة، خصوصاً في **مدغشقر** وجنوب أفريقيا، ليصل العدد إلى أكثر من 26 نوعاً معروفاً حتى الآن. بعض الأنواع ظهر كذلك في أستراليا مثل نوع **Austrarchaea andersoni** الذي عُثر عليه في غابات كوينزلاند. هذه الاكتشافات تشير إلى أن العالم لم يكشف بعد عن كامل خريطة هذه الكائنات العتيقة.
وهذا يبرز بدوره الجانب الآخر من القصة: كيف واجهت هذه الكائنات تحديات البيئة الحديثة.
صمود أمام الكوارث
رغم **تغير المناخ** ودمار المواطن الطبيعية بفعل **الحرائق** أو قطع الغابات، فإن بعض الأنواع من عناكب البجع أظهرت قدرة لافتة على الصمود. مثال ذلك عنكبوت **جزيرة كانغارو** الذي اعتُقد أنه انقرض بعد الحرائق الكاسحة في أستراليا، قبل أن تتم مشاهدته مجدداً بين بقايا الغابات المحترقة. هذه العودة أكدت للعلماء حجم قوة هذه الكائنات على مواجهة أصعب الظروف.
إن هذا البقاء الاستثنائي يدفعنا مباشرة إلى نقطة المركز التي تُعتبر الملاذ الأبرز لهذه العناكب.
مدغشقر... متحف حي للتطور
تعد جزيرة مدغشقر موطناً لأكبر تنوع من عناكب البجع، إذ رُصد فيها **أكثر من 20 نوعاً**، بينها 18 نوعاً جرى التعرف عليها حديثاً. الغابات المعزولة في تلك الجزيرة توفر بيئة أشبه بمختبر طبيعي يسمح بظهور أنواع جديدة واحتفاظ أخرى بسماتها القديمة. وهذا يجعل مدغشقر أشبه بـ"متحف حي" يروي حكاية التطور عبر ملايين السنين.
خاتمة
عناكب البجع ليست مجرد مخلوقات غريبة الشكل، بل صفحات حية من كتاب الأرض السحيق. لقد نجت من الديناصورات، وتحدّت التغيرات المناخية، ولا تزال تواصل مسيرتها المفاجئة في عصرنا الحديث. إنها مثال صارخ على أن الطبيعة تحتفظ دائماً ببعض أسرارها، وأن بين أوراق الغابات ورواسب الكهرمان ما زالت هناك قصص لم تُروَ بعد.









