ذكاء اصطناعي

ولادة نظام كوكبي جديد: العلماء يشهدون اللحظة الأولى لتشكل كواكب خارجية

محمد كمال
محمد كمال

4 د

شهد العلماء لحظة ولادة نظام كوكبي جديد حول النجم HOPS-315.

الإنجاز تحقق باستخدام مرصد "ألما" و"جيمس ويب" الفضائي.

تؤكد البيانات تحول مواد غازية إلى كريستالات، مشابهة لمجموعتنا الشمسية.

يمنح الاكتشاف نظرة على احتمالية وجود أنظمة شبيهة بنظامنا.

تخيل أنك تراقب مشهداً من الزمن السحيق: في بقعة سحيقة من الكون وعلى بعد 1300 سنة ضوئية من الأرض، تتكثف الغبار الكوني وتتماوج المواد حول نجم وليد يُدعى HOPS-315، بينما تبدأ اللبنات الأولى لنشوء كواكب جديدة بالتكون أمام عيون العلماء. لحظة تاريخية شهدها الفلكيون مؤخراً للمرة الأولى، إذ تمكنوا من رصد بداية تشكل نظام كوكبي بالكامل في مراحله المبكرة، وهو كشف يقدّم صورة حية عن كيفية ولادة مجموعتنا الشمسية قبل نحو 4.6 مليار سنة.

هذه الإنجاز العلمي المثير لم يأت بسهولة، بل تطلب تعاون أدوات رصد متطورة يتصدرها مرصد "ألما" العملاق في صحراء أتاكاما التشيلية، ومرصد "جيمس ويب" الفضائي الذي أثبت مجدداً قدرته على اختراق الضباب الكوني وكشف الأسرار الدفينة. تمكن الفريق الدولي بقيادة ميلِسا ماكلور من جامعة لايدن بهولندا من رصد أطياف جزيئية ومعادن دقيقة تتحول تدريجياً إلى مواد صلبة حول هذا النجم الغض، وهي اللحظة الأولى الحاسمة التي تنطلق فيها عملية بناء الكواكب في مجرة غير مجرتنا.

عندما نتأمل تفاصيل هذا الكشف، نجد أنه يحمل دلالات علمية عميقة قد تغير فهمنا لتاريخ الأرض ذاته. فقد تبين للباحثين من تحليل بيانات النجم HOPS-315 أن المعادن الصلبة والمعروفة بـ"السيليكون أحادي الأكسيد" تتحول بالفعل من غاز إلى كريستالات في قرص غباري يدور حول النجم المولود حديثاً. هذا النوع من التغير الكيميائي يتشابه كثيراً مع ما نعرفه من دراسات النيازك القديمة التي سقطت على الأرض، حيث حفظت داخلها بقايا مواد تعود لبدايات مجموعتنا الشمسية، لذا فإن متابعة اللحظة نفسها في نظام نجمي جديد تقربنا خطوة إضافية لفهم أصل كوكبنا والكواكب الشبيهة به.

وهنا تزداد القصة ارتباطاً مع تاريخ مجموعتنا الشمسية، ففي قلب كل نجم وليد يتشكل قرص مفلطح من الغاز والغبار يُعرف بالقرص الكوكبي الأولي، وبه تتراكم الحبيبات الدقيقة ببطء لتشكل أجساماً أكبر تدعى الكويكبات، ثم تدريجياً، تنمو هذه الأجسام لتصبح ما يُعرف بالكواكب الأولية أو "الكواكب الجنينية"، ومنها تولد الكواكب الضخمة والصغيرة مع الوقت. مواجهة لحظة التحام هذه الجسيمات الصلبة للمرة الأولى في تاريخ نظام نجمي آخر أشبه بالحصول على صورة فوتوغرافية لنشأة نظامنا الشمسي نفسه.


ما الذي يجعل هذا الاكتشاف مختلفاً؟

يمثل هذا الرصد أول دليل مباشر على بدء عملية تشكل كواكب خارج نظامنا الشمسي عبر مراقبة التحول الكيميائي للمعادن في مكانها وزمانها الفعلي. لقد تمكن العلماء من تأكيد وجود السيليكون في حالته الغازية والكريستالية على ذات المسافة بين HOPS-315 والقرص المحيط به كما نتوقع وجوده بين الشمس والحزام الكويكبي الرئيسي في مجموعتنا. هذا التطابق أعاد السؤال الأزلي للواجهة: هل ما نشهد ولادته هناك نسخة أخرى من نظامنا الشمسي—وأية مفاجآت يحملها المستقبل من كواكب واحتمالات حياة في أصقاع بعيدة؟

وبالحديث عن العناصر الأساسية، لا يمكننا إهمال أهمية المعادن المعقدة مثل السيليكات، الغبار الكوني، تكثّف المواد الفلكية، الحلقات المحورية، نشوء الكويكبات ونمو الكواكب الغازية والصلبة—all تلك المفاهيم تتفاعل لتطبع درساً جديداً في علم الفلك حول كيفية ولادة وتنظيم الأنظمة الكوكبية عبر الكون.

استكمالاً لهذا السياق، فإن فريق البحث يُشبه ما جرى في نظام HOPS-315 بالحصول على صورة لطفولة مجموعتنا الشمسية. كما أشارت الباحثة ميريل فان هوف من جامعة بوردو، إذ قالت: "نحن نشهد فعلياً كيف بدا نظامنا في بداياته الأولى، وهذا النظام أحد أفضل النماذج التي تتيح لنا دراسة العمليات ذاتها التي صنعت كواكبنا قبل عصور مديدة".

ذو صلة

يمكن القول إن هذا الإنجاز يفتح الباب أمام سلسلة جديدة من الأسئلة والأبحاث حول احتمالية تكرار السيناريو الكوني لتشكل كواكب أخرى شبيهة بالأرض في مجرات أخرى، وهو ما يثير فضول العلماء ويشعل أحلام المهتمين بحياة خارجية ربما لم تولد بعد.

في ختام هذا التقرير، يظهر بوضوح أن لغة الكون التي تكتبها الذرات والغبار في كواكب المهد لا تزال تحمل أسراراً كثيرة في طياتها. ربما لو شددنا على تعبير "النظام الكوكبي الناشئ" بدلاً من "النظام الكوكبي الجديد" يصبح المعنى أكثر دقة، أو أضفنا عبارة توضح مدى التشابه البنيوي بين ما رُصد عند HOPS-315 ومسيرة نشوء كواكبنا. بالتأكيد، كل تطابق أو اختلاف يضفي ثراءً على الحكاية الكونية ويقرّبنا خطوة جديدة من فهم جذور وجودنا ذاته في هذا الكون الفسيح.

ذو صلة