ذكاء اصطناعي

أغرب ظاهرة على الأرض… الأمازون يتحول إلى قدِر يغلي ويحرق كل ما هو حي!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

وسط غابات الأمازون يظهر نهر "شاناي-تيمبيشكا" بتفاصيل غريبة تصل لحالة الغليان.

يقول السكان المحليون إنه "المسلوق بحرارة الشمس" لدرجات حرارته الجنونية.

الباحثون ربطوا سبب الحرارة بحركة المياه الجوفية وليس النشاط البركاني.

النهر يُمثل تحذير بيئي لما يمكن أن يحدث مع تصاعد حرارة الأرض.

النهر يحوّل كل كائن يُلامسه إلى ضحية محققة بسبب الحرارة العالية.

وسط غابات الأمازون الكثيفة، تختبئ ظاهرة طبيعية تفوق الخيال؛ نهر تصل حرارته إلى درجات الغليان، فيطهو الكائنات الحية التي تلامس مياهه، رغم بُعده عن أي بركان أو مصدر حراري بركاني معروف. هذا المشهد الغريب يحوّل قلب الأمازون إلى مختبر مفتوح لمحاولة فك شيفرة أسباب الظاهرة، بينما تُحيك الأساطير الشعبية حوله حكايات تتجاوز حدود العلم.


بين العلم والأسطورة: بداية الحكاية

في عمق غابات بيرو، على مسافة مئات الكيلومترات من أقرب نشاط بركاني، ينبض نهر "شاناي-تيمبيشكا" بحرارة تتراوح بين 80 إلى 95 درجة مئوية، وتصل أحيانًا إلى درجة الغليان الكاملة. تلك الحرارة قادرة على أن تقتل أي كائنٍ يسقط في المياه خلال لحظات. السكان الأصليون أطلقوا عليه اسماً يعني "المسلوق بحرارة الشمس"، ولفترة طويلة اعتُبر ذلك الحديث مجرد مبالغة أو أسطورة من أساطير الأمازون. ولكن الأمر تغير عندما قرر الباحث أندريس روزو، وهو جيولوجي شاب تدفعه ذكريات الطفولة وحكايا جده، اكتشاف الحقيقة بنفسه. وهنا تظهر العلاقة بين دهشة العلماء وروايات السكان المحليين، والتي أضفت هالة من الغموض حول هذا النهر الغامض.


سر الحرارة: الأمازون الذي يتحدى العلم

من غير المألوف أن نشاهد أنهاراً تغلي إلا قرب براكين أو مناطق تصادم الصفائح التكتونية مثل "يسلوستون" الأمريكية أو أيسلندا، لكن نهر شاناي-تيمبيشكا يرقد بعيدًا عن أي نشاط جيولوجي ساخن معروف، مما أربك العلماء. لماذا ترتفع حرارة النهر إلى هذا الحد الجنوني؟ الدراسات الأولية كشفت عن أن مصدر الحرارة ليس سطحياً أو بفعل الشمس، بل ناتج عن حركة المياه الجوفية عبر شقوق التربة. مياه الأمطار تتسلل عميقاً في الأرض عبر تصدعات جيولوجية، تصل إلى طبقات ساخنة بفعل حرارة باطن الكوكب، ثم تعود إلى السطح بقوة على هيئة نبع يغذّي النهر بمياهه الفائرة. هذا الربط بين الجيولوجيا المحلية والظواهر الحرارية يفتح باب التساؤلات أمام المختصين في علوم الأرض.


موت بالحرق: الحياة البرية وأسوأ كوابيسها

ونظراً لخطورة درجات الحرارة الكبيرة، يتحول كل كائن يسقط في النهر إلى ضحية مؤكدة. الباحثون وثّقوا كيف تفقد الحيوانات الصغيرة حياتها في بضع ثوانٍ: العينان تغطى بطبقة بيضاء، ثم يفقد الحيوان القدرة على مقاومة الحرارة، ليبدأ "سيلق" الأنسجة من الخارج إلى الداخل، وتنتهي العملية عندما يتسلل الماء المغلي إلى الأحشاء. ليس هذا فحسب، حتى الأسماك والحيوانات النهريّة اختفت من مقاطع كاملة من النهر، وتحولت الضفاف السوداء إلى مشاهد قاحلة، تحفطها الأغصان اليابسة وأرض متشققة بفعل البخار. وهكذا، يتحول النهر إلى مثال مصغّر للكوارث المحتملة في ظل ارتفاع حرارة الكوكب.


الحرارة والبيئة: مستعمرة من المستقبل

ومن هنا تنتقل صورة المشهد من كارثة محلية إلى تجربة ميدانية لمستقبل مناخ الأمازون ككل. علماء البيئة، وبينهم الباحث رايلي فورتير من جامعة ميامي، قارنوا بين غابة النهر المغلي وباقي أجزاء الغابة المطيرة، ليروا بوضوح كيف تأثرت التربة والنباتات بالجفاف والحرارة الحارقة: الأوراق جافة، الغطاء النباتي أضعف، والرطوبة شبه معدومة، ما يدل على تدهور سريع في التنوع الحيوي وتراجع قدرة البيئة على المقاومة.


إشارات وتحذيرات لمستقبل الكوكب

ذو صلة

كل تلك المعطيات تجعل من نهر شاناي-تيمبيشكا ليس مجرد لغز جغرافي، بل أيضاً إنذاراً بيئياً: مشهدٌ طبيعي يخطّ صورة متطرفة لما قد يحدث إذا استمرت درجات حرارة الأرض في التصاعد. من خلال مرآة هذا النهر، يلوح سؤال مضمر عن مصير الأمازون حين يفقد برودته الخضراء، وتتحول مجاريه إلى مجرات بخار وخراب بيئي. إذا نظرنا إلى النماذج المناخية الحديثة والدراسات المنشورة عن مستقبل الأمازون، نكتشف أن خسارة التنوع الطبيعي وزيادة معدلات التبخّر وانخفاض معدل الأمطار، جميعها سيناريوهات مرعبة لكنها ممكنة الحدوث إذا واصل العالم رفع حرارة الكوكب.

في النهاية، يبقى نهر شاناي-تيمبيشكا دليلاً دامغاً على أن أغرب الحقائق البيئية قد تختبئ في قلب الغابة، وأن فهمنا للطبيعة غالباً ما يتعرض لامتحان حين يجمع بين العلم والأسطورة، ويضع الإنسان أمام مسؤولية الحفاظ على كوكبه وسط تغيرات لا ترحم.

ذو صلة