أغرب ما التقطته الأقمار الصناعية: سد قنادس يمتد مئات الأمتار

3 د
اكتشف عالم البيئة الكندي سد قنادس في كندا رُصد من الفضاء باستخدام جوجل إيرث.
يبلغ طول السد 850 مترًا ويقع في حديقة وود بوفالو بالمستنقعات الكثيفة.
السد بُنِي بواسطة أجيال من القنادس منذ السبعينيات، يعكس مثابرتهم البيئية.
التكنولوجيا الفضائية ساهمت في إبراز إنجازات القنادس ودورها في تشكيل البيئة الكندية.
القصة تكشف تعاونًا بين الحيوانات والتكنولوجيا لتقديم رؤية جديدة عن البرية.
هل تصورت يومًا أن إبداع الحيوانات في الطبيعة يمكن أن يصل إلى حد أن يُرصد أثرها من الفضاء الخارجي؟ هذه ليست مبالغة؛ فقد تمكّن عالم البيئة الكندي جان تيي من اكتشاف سد للقنادس يُعتبر الأكبر في العالم، وبدايته كانت بالنظر عبر شاشته الصغيرة باستخدام تقنية صور الأقمار الاصطناعية التي توفرها جوجل إيرث ووكالة ناسا، ليجد نفسه أمام بناء يفوق بطوله ثمانية ملاعب كرة قدم! دعونا نغوص سويًا في تفاصيل هذا الاكتشاف الاستثنائي الذي جمع بين حب الطبيعة والتكنولوجيا الحديثة.
بعيدًا في شمال غرب كندا، وتحديدًا داخل حديقة “وود بوفالو” القومية الشاسعة الممتدة على الحدود بين ألبرتا والأقاليم الشمالية الغربية، كشفت الصور الفضائية عن سد يبلغ طوله 850 مترًا، أي ما يعادل 2788 قدمًا. هذا السد المائي الضخم شُيِّد وسط أراضٍ مكسوة بغابات مستنقعية كثيفة يصعب حتى على الطائرات الهبوط فيها. اكتشف تيي هذه الأعجوبة الطَبيعية خلال بحثه العلمي حول معدلات ذوبان الجليد الدائم (البيرمافروست) في المناطق القطبية الشمالية، وعند استخدامه للصور المُلتقطة من الفضاء، ذُهل من حجم السد الممتد على مسافة شاسعة وسط الخضرة والمياه.
تكمن أهمية هذا السد في كونه إنجازًا طبيعيًا مذهلًا صُنع بالكامل من قبل الحيوانات، وتحديدًا القنادس التي اتخذتها كندا رمزًا وطنيًا لها. ما جعل الأمر أكثر إثارة أن التحقق من هوية الباني لم يكن ممكنًا دون مساعدة التكنولوجيا الفضائية وتطور برامج مثل جوجل إيرث، حيث يقول تيي: “ربما توجد سدود أطول هناك، لكن هذا بالتأكيد هو الأكبر مما رأيته حتى الآن، ولولا إمكانيات الأدوات الحديثة لما أمكن للعيون البشرية أن ترصده بهذا الوضوح”. تجربة تيي تفتح الباب للتفكير: كيف ساهم الدعم التكنولوجي في فهمنا الجديد لعجائب الأنظمة البيئية الحيوانية التي غالبًا ما كانت تغيب عن أنظارنا؟
ما يميز سد القنادس هذا، ويفصل الحديث عن قصته، هو أن بناءه لم يكن نتاج جهد لمجموعة واحدة من القنادس، بل هو ثمرة مثابرة أجيال متعاقبة عملت منذ سبعينيات القرن الماضي على توسيعه وترميمه وتدعيمه. الأمر أشبه بعمل عائلات بشرية تتوارث المشروع وتبث فيه حيويتها عامًا بعد عام، وهو ما أكده تيي حين أشار إلى “عمل الأسر الممتدة” من القنادس التي ساهمت على مر العقود في الحفاظ على صمود هذا السد أمام قسوة الطقس وتغيرات البيئة المحيطة. أما من حيث الموقع الجغرافي، فإن السد يَعُد جزءًا أساسيًا من المنظومة المائية داخل محمية “بحجم سويسرا تقريبًا”، بحسب وصف أحد مسؤولي الحديقة، ما يعني أن دور القنادس يتجاوز البناء ليصل إلى تشكيل معالم البيئة ذاتها.
وبالانتقال من مشهد العمل الدؤوب على الأرض، إلى التكنولوجيا التي مكنت من رصد هذا السد، لا بد أن نلاحظ كيف أصبحت تقنيات الاستشعار عن بعد والأقمار الاصطناعية أدوات حيوية في دراسة علوم البيئة والتنوع البيولوجي. يعتمد الباحثون اليوم بشكل متزايد على هذه البيانات لكشف التغيرات الطفيفة في الغطاء النباتي، أو تشييد الحيوانات لهياكل ضخمة كهذا السد، وهو ما منحنا قدرة غير مسبوقة على مراقبة الأرض وإدراك أحداث لم تكن لتسجل في سجلات العلم لولا رؤية “الفضاء”.
في نهاية المطاف، تكمن روعة هذا السد ليس فقط في ضخامته أو كونه مرئيًا من الفضاء، بل في دلالته على عبقرية القنادس ودورها الجوهري في تشكيل الطبيعة الكندية وحفظ توازنها البيئي. فالقصة هنا هي قصة تعاون بين أجيال من الحيوانات، مدعومة بعين إنسانية مستكشفة وأدوات عصرية غيّرت من نظرتنا للطبيعة. ربما يكون سد القنادس العملاق هذا مجرد بداية لاكتشافات قادمة تفاجئنا بما تخبئه البراري والغابات وراء ستارها الأخضر الكثيف.