الأميبا القاتلة في حنفية بيتك… والموت بنسبة 97%!

4 د
أستراليا تحذر سكان كوينزلاند من "الأميبا آكلة الدماغ" في مياه الشرب.
الإصابة تتم عبر أنف الشخص المصاب وتؤدي لتدمير الجهاز العصبي بسرعة.
الأعراض تشمل صداعًا حادًا، حمى، وفقدان حاستي الشم والتذوق.
الوقاية تتطلب منع دخول المياه عبر الأنف خاصة لدى الأطفال.
الحادثة تدعو لتحسين مراقبة جودة المياه ومعالجة التغيرات المناخية.
يبدو أن الأخبار القادمة من ولاية كوينزلاند الأسترالية حملت مفاجأة مزعجة لسكان بلدتي تشارلفيل وأوغاتيلا، إذ كشفت التحاليل عن وجود أحد أخطر الكائنات الدقيقة في مياه الشرب المجهزة. هذا الكائن الميكروسكوبي، المعروف علمياً باسم "نيجليريا فاوليري" أو كما يسميه البعض "الأميبا آكلة الدماغ"، يملك سمعة مرعبة بين أطباء الأمراض المعدية، ليس فقط لأنه قاتل فتاك بنسبة تصل إلى 97%، بل أيضاً لندرته وصعوبة اكتشافه أو التصدي له في الوقت المناسب.
تأتي أهمية هذا الكشف من أن "نيجليريا فاوليري" يصيب الإنسان عبر الأنف، حيث يتسلل إلى الجهاز العصبي المركزي متجاوزًا الحواجز الطبيعية، ثم يبدأ بتدمير الخلايا العصبية داخل المخ. ويحدث كل ذلك بسرعة مذهلة لا تُبقي أمام الأطباء سوى هامش محدود للتدخل. بالعادة، ترتبط الإصابات النادرة بهذا الكائن بالمياه الدافئة غير المعالجة، مثل بحيرات السباحة والأنهار، وليس بمياه الشرب المعقمة، مما يجعل حادثة أستراليا لافتة وطارئة.
في هذا السياق، سارعت السلطات الصحية الأسترالية بإصدار تنبيه رسمي لسكان البلدتين يحذر من تعريض الأنف لمياه الصنابير عند الاستحمام أو غسل الوجه، ولا سيما عند الأطفال. تأتي هذه التوصيات الوقائية لتقلل من خطورة العدوى، إذ إن "الأميبا" لا تستطيع إحداث المرض إذا دخلت الجسم عبر الفم أو الجلد، بل تحتاج لوسيط مباشر إلى الجيوب الأنفية. وربطاً بذلك، حثت الجهات الصحية الجميع على مراقبة الأطفال خلال الاستحمام، والامتناع عن اللعب بالرذاذ أو إدخال المياه عبر الأنف، في سبيل الاحتياطات الضرورية ضد هذا الكائن المفترس.
لماذا تُعد "نيجليريا فاوليري" خطراً مميتاً؟
ومن المهم هنا توضيح ماهية خطورة هذا الميكروب: فبعد دخوله عبر الأنف، يشق طريقه متخطياً العظام الرقيقة الفاصلة بين الجيوب الأنفية والمخ، ليخترق منطقة البصلة الشمية. في هذه المرحلة، يتحول إلى حالته النشطة، متغذياً بشكل أساسي على أنسجة المخ العصبية، إذ يهاجم الخلايا العصبية والسُريات النجمية، مطلقاً جملة من الإنزيمات والسوائل التي تذيب الأغشية الخلوية، ما يحدث تلفاً ساحقاً في نسيج الدماغ. غالباً، تكون الأعراض شديدة وعنيفة: صداع حاد، حمى شديدة، تشوش ذهني، غثيان، قيء، وفقدان حاستي الشم والتذوق، ولاحقاً تشنجات وغيوبة. للأسف، بمجرد ظهور الأعراض تتقدم العدوى بسرعة، ما يؤدي، في معظم الحالات، إلى الوفاة خلال أسبوع واحد.
وإذا عدنا إلى الوقائع العالمية، نجد أن هذا النوع من العدوى يُسمى طبيًا "التهاب السحايا والأغشية الدماغية الأولي" أو اختصارًا PAM. وبحسب إحصائيات مراكز مكافحة الأمراض الأمريكية (CDC)، فقد تم توثيق 167 حالة فقط في الولايات المتحدة منذ عام 1962، لكن الوفيات تمثل النسبة الساحقة بين المصابين. يذكر أن حالات قريبة، كما حدث في ولايتي ميزوري وكارولاينا الجنوبية مؤخرًا، انتهت بالفعل بوفاة المصابين، كما تؤكد تقارير حديثة من الدوائر الصحية هناك.
تُوضح هذه التطورات لماذا لا يقتصر الخطر هنا على مجرد الوجود النادر للأميبا في منظومة مياه الشرب. فمع التغيرات المناخية ورصد موجات حر متكررة، أصبح من المتوقع عالميًا أن تزداد معدلات الانتشار الموسمية لهذا الميكروب، لتشمل مناطق لم تكن مصنفة تقليديًا كبيئة مناسبة له، وهو ما يستدعي رصدًا مستمرًا ومعالجة دقيقة.
وهنا لا بد أن نتوقف أمام أهمية التدقيق الدوري في جودة المياه حتى في الدول ذات الإجراءات الصارمة، مثل أستراليا، والتي لم تسجل سوى معدلات نادرة من هذه العدوى في الماضي. تدفعنا هذه الحادثة لتحديث أساليب الرصد والمعالجة، ومراجعة البروتوكولات الصحية الخاصة بالمياه المحلية.
كيف تحمي نفسك من العدوى؟
وفي ضوء كل هذه المعلومات، تتساءل: ما هي الخطوات العملية للوقاية؟ الجواب ببساطة أن العدوى شبه مستحيلة إذا لم يعبر الماء إلى الأنف، حتى لو كان ملوثاً. لذا، ينصح بتوخي الحذر عند الاستحمام واستخدام مياه الصنابير، خصوصاً للأطفال وذوي المناعة الضعيفة. أما الشرب أو غسل الملابس فلا يحملان أي خطر انتقال مباشر للعدوى. ورغم أن أطباء الأمراض المعدية يمتلكون خيارات علاجية محدودة، مثل مضادات الفطريات القوية وبعض التدخلات الطبية الطارئة، إلا أن كشف العدوى في مراحلها المبكرة يظل أمرًا بالغ الصعوبة.
وضمن هذا الإطار، تبقى عمليات التحقيق مستمرة لمعرفة كيف تمكنت "نيجليريا فاوليري" من النفاذ إلى منظومة المياه المجهزة في هاتين البلدتين. وتشدد السلطات المحلية على ضرورة الالتزام بالمعايير الصحية الوقائية وعدم الاستهانة بأي عرض عصبي مفاجئ عقب التعرض لمياه غير مأمونة.
ختاماً، تقدم لنا هذه الواقعة درساً في ضرورة الجمع بين الفهم العلمي والاحتياط العملي، فالصحة العامة معرضة دومًا لمخاطر العدوى النادرة والمميتة، خصوصاً مع استمرار ظواهر التغير المناخي وزيادة حرارة المياه عالمياً. المفتاح هنا هو التوعية المستدامة والمتابعة الحثيثة حتى لا يتحول الخطر النادر إلى واقع مؤلم.