البتكوين في ورطة.. الحواسيب الكمومية تقترب من فك شيفراتها

3 د
تهدد الحوسبة الكمومية مستقبل البيتكوين بفك تشفير محافظها وحماية العملة.
يسارع خبراء التقنية والتشفير لإعداد المجتمع الرقمي لمواجهة هذه التحديات الكمومية.
تقترح عناوين "مقاومة الكم" كمطهر أمني ضد الاختراقات، لكن التنفيذ مكلف ومعقد.
تتطلب مواجهة الخطر الكمومي تنسيقًا أكبر واستعدادًا مسبقًا من مجتمع البيتكوين.
عندما يذكر البيتكوين، فإن أول ما يخطر ببال القارئ عادةً هو تقلب أسعار العملات الرقمية، أو ربما أخبار جديدة حول تعامل شركات كبرى معه. لكن خطرًا من نوع آخر بدأ يلوح في الأفق مهددًا مستقبل هذه العملة التي أحدثت ثورة في عالم المال؛ إنه خطر "الحوسبة الكمومية".
خلال لقاء خاص جمع عددًا من خبراء التكنولوجيا والتشفير بمدينة لاس فيغاس، ظهرت أصوات تعبر عن قلق حقيقي من قدرة حواسيب الكم على اختراق التشفير الذي يحمي محافظ البيتكوين، ما قد يؤثر على ملايين العملات ويعرض سوق العملات الرقمية لهزة غير مسبوقة. ومن أبرز الحاضرين كان جيمسون لوب، المسؤول التقني لشركة "كازا" المتخصصة في تقديم حلول حفظ العملات، إذ أكد أن الوقت بدأ يتناقص بشكل واضح لتحضير المجتمع الرقمي لمواجهة هذا الخطر.
وهذا يقودنا للتساؤل: لماذا تمثل الحوسبة الكمومية تحديًا للبيتكوين؟ ببساطة، تعتمد هذه العملات على "مفاتيح خاصة" لحمايتها، أشبه بكلمات السر الشخصية التي لا يمكن إعادة تصنيعها بسهولة. لكن الحوسبة الكمومية، بفضل قدرتها الهائلة على إجراء حسابات معقدة بسرعة فائقة باستخدام ظواهر الفيزياء الكمومية، بإمكانها تجاوز هذه التعقيدات وفك تشفير هذه المفاتيح، وإتاحة الفرصة لسرقة العملات الرقمية من محافظها.
ولا تعد هذه مجرد مخاوف نظرية؛ فعلى أرض الواقع، تصب شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل ومايكروسوفت مبالغ ضخمة في أبحاث وتطوير الحوسبة الكمومية، وبدأت هذه الجهود بالفعل تثبت فاعليتها. مؤخرًا أشارت ورقة بحثية نشرها خبراء في شركة غوغل إلى أن الحاسبات الكمومية قد تتمكن من اختراق نظام التشفير الحالي بسرعة تفوق توقعات الخبراء بعشرين مرة، الأمر الذي جعل مجتمع البيتكوين أكثر حذرًا من السابق.
ولمواجهة هذا التحدي، هناك خطوات احتياطية تبدو ضرورية في هذه المرحلة. اقتُرِح، على سبيل المثال، تنفيذ أنواع جديدة من عناوين المحافظ تعرف بعناوين "مقاومة الكم"، والتي من شأنها توفير طبقات إضافية من الأمان ضد الهجمات الكمية. وأشار هانتر بيست، وهو مهندس بروتوكول بارز في شركة أندورو، إلى ضرورة التحرك بشكل أسرع نحو الاستعداد بدلًا من إنكار الخطر، مؤكداً أن التنسيق بين مختلف شرائح مجتمع البيتكوين يمثل العقبة الرئيسية.
لكن عملية الانتقال ليست بتلك السهولة التي قد تبدو عليها. فبحسب الخبراء، فإن هذا الحل يتطلب بالفعل من كل مالكي البيتكوين نقل عملاتهم إلى نوع جديد من العناوين الآمنة ضد الاختراق الكمي، وهي عملية معقدة ومكلفة للغاية من ناحية الحجم والبيانات، ما قد يؤدي إلى نشوء مناقشات جدلية بين المختصين تعيد للأذهان الخلاف الشهير الذي أدى في السابق إلى تقسيم مجتمع البيتكوين وظهور عملة منافسة "بيتكوين كاش".
وفي ختام اللقاء، طرح المسؤولون بعض الاستراتيجيات البديلة التي يمكن أن تخفف آثار اختراق محتمل؛ منها اقتراح مايكل كيسي، مدير الهندسة في شركة ماراثون ديجيتال، بتقييد عدد المعاملات التي يمكن تنفيذها من العناوين القديمة، وهذا قد يمنح المجتمع الرقمي وقتًا أطول لإيجاد حلول جذرية ومستدامة.
مع اقتراب الحواسيب الكمومية من تحقيق قفزات نوعية حاسمة، يجد مجتمع البيتكوين نفسه أمام تحدٍ غير مسبوق، تحدٍ يتطلب استعدادًا مسبقًا والبحث عن حلول طويلة الأمد. ولضمان مستقبل آمن للعملات الرقمية، لا بد لهذا المجتمع من التعاون والعمل على مواجهة هذا التحدي بدلًا من تجاهله. ولعل تطوير حلول مبتكرة وتعزيز الوعي التقني للتصدي لتداعيات الكم يعد الخيار الأمثل. وربما يصح لنا القول إن بيتكوين اليوم أمام "انعطافة حقيقية" في تاريخها؛ فهي مطالبة بمجاراة التقدم التكنولوجي وإثبات قدرتها على الصمود مع مرور الزمن.