البحر يردّ قمامتنا إلينا… كرات نبتون تقذف قذارة البلاستيك في وجوهنا!

3 د
تظهر كرات نبتون على شواطئ المتوسط كمصفاة طبيعية للبلاستيك العالق.
تحتجز أعشاب البوسيدونيا البلاستيك وتعيده للشواطئ في كرات ليفية.
أظهرت دراسة جامعة برشلونة جمع المروج لنحو 900 مليون قطعة بلاستيكية سنويًا.
يتضمن البلاستيك المكتشف قطعًا من الحياة اليومية كالفوط الصحية والمناديل.
ظهور هذه الكرات لا يحل بالكامل مشكلة التلوث البلاستيكي البحري.
على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، يحطّ هذا الكائن الغريب، يبدو ككرة بنية ليفية محشوة، لتشكل علامة استفهام لمن يراها لأول مرة. إنها "كرات نبتون" أو "كرات البوسيدونيا" – تجمعات طبيعية من أعشاب البحر تقوم بمهمة فريدة وغريبة في مواجهة أزمة التلوث البلاستيكي البحري، لتعيد لنا، حرفياً، ما ألقيناه نحن في المحيطات.
البداية مع مشكلة البلاستيك المتفاقمة؛ فالمحيطات أصبحت تعج بالملايين من القطع الصغيرة، أو ما يُسمى "اللدائن الدقيقة"، وهي شظايا بلاستيكية أقل من 5 ملم، غالباً ما تنجم عن تحلل أكياس وأغلفة وعبوات وزجاجات من البلاستيك، وحتى شباك الصيد المهملة. هذه الجسيمات لا تضر فقط النظام البيئي البحري وتصل إلى موائدنا، بل أيضاً تهدد صحة الإنسان، إذ ربطتها دراسات باضطرابات في العظام والدماغ والهرمونات.
من هنا تظهر مهمة كرات نبتون. السهول البحرية الغنية بأعشاب البوسيدونيا، وخاصة في المتوسط، ليست فقط واحات للطحالب والأسماك وملجأ حيوي للتنوع البيولوجي، بل أيضاً تعمل عمل "المصفاة" الطبيعية. فهذه الأعشاب النباتية تبطئ حركة المياه، فتحتجز معها الكربون والرواسب، وكذلك الكثير من مخلفات البلاستيك العالقة. عندما يحين موعد تساقط أوراق البوسيدونيا في الخريف، تتشابك أليافها الغنية بالليغنين مع بعضها وتشكل كرات مضغوطة، وقد تختلط آلاف أجزائه بالبلاستيك الملتصق. هذه الكرات تطفو أحياناً على سطح البحر أو تجرفها الأمواج إلى الشاطئ، وكأن الطبيعة نفسها ترد إلينا مخلفاتنا.
الربط بين قدرة هذه العشبة وأزمة البلاستيك يعكس دور النظام البيئي البحري كبئر عميق يلتقط كل ما نسكبه فيه، ويدعونا لمراجعة علاقتنا مع النفايات. فدراسة أجرتها جامعة برشلونة كشفت أن المروج البحرية للبوسيدونيا في المتوسط قد تجمع حوالي 900 مليون قطعة بلاستيكية سنوياً. ليس ذلك فحسب، إذ فحص الباحثون كرات نبتون التي ألقتها الأمواج على أربعة شواطئ في جزيرة مايوركا الإسبانية، فوجدوها تحتوي في بعض الأحيان على كثافات تصل إلى 1500 جزء بلاستيكي في الكيلوغرام الواحد. ولكن الملفت أن الكرات الأكثر إحكاماً وتماسكاً هي الأكثر كفاءة في التقاط تلك النفايات.
بعض سكان السواحل وحتى العلماء فوجئوا لما وجدوه داخل هذه الكرات، إذ تضمنت مواد مصنعة غريبة مثل المناديل المبللة والفوط الصحية، إلى جانب أجزاء البلاستيك الشائعة، مما يدل أن قسماً كبيراً مما نستخدمه في حياتنا اليومية يجد طريقه للبحر في النهاية. وهذا يعيد فتح النقاش حول ضرورة تغيير سلوكياتنا في التعامل مع المواد أحادية الاستعمال والتخطيط لإدارة أفضل للنفايات.
ولكن هل تشكل كرات نبتون حلاً حقيقياً لمعضلة التلوث البلاستيكي في البحار؟ هنا ينبّه الباحثون – وخاصة الرئيسية في دراسة برشلونة – إلى أن ظهور هذه الكرات ليس الحل لمشكلة التلوث، بل أقصى ما تفعله الأعشاب البحرية هو محاولة التقليل من آثار البلاستيك العالقة في المياه. لذا، يُنصح من يجد الكرات على الشاطئ بأن يتركها مكانها، فهي تلعب دوراً في ترطيب الشواطئ وتوفير مغذيات ضرورية، أي أن التخلص منها يشكل خطراً جديداً على الشريط الساحلي الهش.
من زاوية أكثر اتساعاً، تتقاطع قصة كرات نبتون مع أزمة من نوع آخر: تراجع مساحات الحشائش البحرية عالمياً بنسبة تقارب 30% منذ أواخر القرن التاسع عشر. يعود ذلك لسوء جودة المياه، الزحف العمراني، الأنواع الدخيلة، الاحتباس الحراري، وارتفاع مستوى سطح البحر. في المقابل، هناك مبادرات لإحياء المروج الساحلية كما في خليج بولينسا الإسباني ومشاريع المواطنين في صقلية ومالطا. رغم ذلك، يؤكد الباحثون أن زراعة الأعشاب ليس حلاً سحرياً لاحتجاز البلاستيك ما لم نبدأ فعلاً بخفض الإنتاج من المصدر والسيطرة على تسرب المخلفات من البر إلى البحر.
في الختام، تجسد كرات نبتون الطريقة التي تحاول بها الطبيعة إعادة تذكيرنا بأثر أفعالنا. فكل كرة نجدها على الرمل هي بمثابة رسالة واضحة: الكرة في ملعبنا، والحل الجذري لأزمة التلوث البلاستيكي يبدأ من تغيير سلوكنا والاستهلاك الواعي، وليس فقط انتظار الطبيعة كي تصحح أخطاءنا مرة أخرى.