ذكاء اصطناعي

البشر يخترقون قلب الأرض لأول مرة… وما خرج من الأعماق تجاوز كل التوقعات!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تمكن فريق دولي من العلماء من استخراج أطول عينة من وشاح الأرض.

نجحوا في حفر نواة صخرية بطول 1268 مترًا تحت قاع المحيط الأطلسي.

العينات تحتوي على صخور نادرة تقدم رؤى جديدة لتفاعل القشرة والوشاح.

يدرس العلماء العلاقة بين الأوشاح والمحيطات لفهم نشأة الحياة على الأرض.

يساهم المشروع في تحسين تقنيات الحفر لاستكشافات أعمق بالمحيطات في المستقبل.

في سابقة علمية غير مسبوقة، تمكن فريق دولي من العلماء من استخراج أطول عينة على الإطلاق من **وشاح الأرض** في مهمة قرب سلسلة جبال **أتلانتس ماسيف** بالمحيط الأطلسي، وهو إنجاز قد يغيّر فهمنا العميق لبنية الكوكب وأصول الحياة عليه.

تجربة الحفر، التي قادها برنامج **الاكتشافات البحرية الدولية (IODP)** على متن السفينة البحثية **جوايديس ريزولوشن**، حرّكت المياه في الأوساط الجيولوجية بعد أن تجاوزت كل التوقعات. إذ نجح الفريق في حفر **نواة صخرية بطول 1268 متراً** تحت قاع المحيط، أي أكثر من ستة أضعاف الهدف الأصلي. هذا الإنجاز لم يكن مجرد أرقام، بل فتح نافذة مباشرة على أعمق طبقات الأرض وأكثرها غموضاً، حيث تتفاعل الصخور المنصهرة وتتشكل مكونات القشرة الأرضية على مدى ملايين السنين.


بوابة نحو قلب الكوكب

ومن هنا يبدأ الجانب الأكثر إثارة في القصة، إذ تحتوي العينات التي تم جمعها على صخور نادرة مثل **البيريدوتيت المتحوّل** و**الهارزبورغيت** و**الغابرو**، وكلها تُعد بمثابة سجل جيولوجي دقيق للتغيرات الكيميائية بين القشرة والوشاح. وأوضح البروفيسور يوهان ليسنبرغ من جامعة كارديف أن الإنجاز تجاوز التحديات التقنية التي حالت سابقاً دون تجاوز عمق 200 متر في صخور الوشاح. بفضل تطور أدوات الحفر وفهم طبيعة الصخور المحيطة، تمكن العلماء هذه المرة من الوصول إلى مستويات غير مسبوقة من الدقة والعمق.

وهذه الخطوة تمهد لمرحلة جديدة من الأبحاث التي قد تكشف كيفية تشكل الأرض الداخلية والعلاقة المعقدة بين الوشاح والمحيطات.


المدينة المفقودة ودروس الحياة البدائية

غير أن أهمية المشروع لا تقف عند حدود الجيولوجيا البحتة، بل تمتد إلى الكيمياء الحيوية أيضاً. فقد تم تنفيذ الحفر على مقربة من منطقة **المدينة المفقودة**، وهي حقل حراري مائي ينبعث منه مزيج من **الميثان والهيدروجين والمركبات الكربونية**. يرى العلماء أن هذه البيئة تمثل نموذجاً مصغراً لما قد تكون عليه الظروف التي شهدت نشوء الحياة الأولى على الأرض. فعندما تتفاعل مياه البحر مع صخور الوشاح، تنشأ تفاعلات **سيربنتينية** تنتج عناصر أساسية لتكوين الجزيئات العضوية.

ومن هنا يتضح أن دراسة هذه الصخور قد تقدّم فهماً أدق لكيفية تفاعل أعماق الكوكب مع المحيطات، مما يسهم في رسم صورة أشمل لتاريخ الأرض الكيميائي والبيولوجي.


كفاءة غير مسبوقة وتطلعات للمستقبل

وفي جانب تقني آخر، أشار التقرير إلى أن عملية الحفر كانت أسرع بثلاث مرات من المتوقع، وهو ما يعكس الطبيعة الفريدة للصخور في تلك المنطقة التي سمحت بالتقدم السلس. ومع أن الفريق لم يبلغ بعد **الحد الفاصل المعروف باسم موهو**—وهو النقطة التي تفصل القشرة عن الوشاح الحقيقي—إلا أن هذه النواة تُعتبر خطوة ضخمة نحو تحقيق هذا الهدف الطموح في بعثات مستقبلية أكثر تجهيزاً وتمويلاً.

وهذا النجاح يعزز الثقة بقدرة العلماء على تنفيذ عمليات استكشاف أعمق في أماكن أخرى من قاع المحيط، ما قد يمنحنا فهماً غير مسبوق لتركيب الأرض الداخلي.


تحليل كيميائي يرسم خريطة التفاعل بين القشرة والوشاح

ذو صلة

أظهرت التحاليل اللاحقة أن الصخور المستخرجة تحمل بصمات تفاعلات مستمرة بين مياه البحر وصخور الوشاح، وهو ما يُعرف بعملية **التبادل الجيوكيميائي**. هذه النتائج تؤكد كيف أسهمت هذه التفاعلات في تشكيل الغلاف الصخري للمحيطات وفي دورة المواد بين الطبقات الداخلية والخارجية للكوكب. كما يدعم ذلك نظرية أن مناطق مثل **منتصف الأطلسي** تمثل نقاط ضعف جيولوجية يسهل فيها الوصول إلى الوشاح، ما يجعلها مواقع مثالية لاستكشاف مستقبلي.

وفي الختام، يفتح هذا المشروع الضخم الباب أمام حقبة جديدة من **الاستكشاف الجيوفيزيائي**، حيث يلتقي العلم بالخيال في محاولة لفهم ما يحدث في قلب كوكبنا. وبينما يواصل العلماء تحليل هذه العينات النادرة، يظل السؤال الأهم مطروحاً: هل تحمل هذه الصخور، القادمة من أعماق الأرض، أسرار نشأة الحياة نفسها؟

ذو صلة