ذكاء اصطناعي

الذهب يلمع في قلب المحيطات… ثروة كونية أمام أعيننا تضيع هباءً!

محمد كمال
محمد كمال

4 د

المحيطات تخفي كنوز ذهبية معقدة الاستخراج رغم الوفرة العلمية.

تبدأ رحلة الذهب بالمحيط من ذرات برية إلى البحار عبر الأنهار.

تحديات قياس واستخراج الذهب تتطلب أدوات دقيقة وإجراءات صارمة.

يتواجد الذهب بتركيزات متناهية الصغر لا تسهل استخراجه.

المحاولات لا تزال غير مجدية اقتصاديًا لاستخلاص الذهب المذاب.

هل سبق وأن خطر ببالك أن المحيطات التي تغطي وجه الأرض تخفي بين أمواجها كنوزاً لا تُصدق؟ نعم، هناك ذهب حقيقي في مياه البحار، ليس مجرد أسطورة من قصص المغامرين، بل حقيقة مثبتة بالعلم والدليل الرقمي. ومع ذلك، فالصورة ليست كما نتخيلها تماماً؛ فكل ما يلمع في هذا السياق لا يسهل اصطياده.


من أين يأتي ذهب المحيط؟

من الطريف أن رحلة الذهب إلى المحيط تبدأ من مئات المصادر البرية، فالروافد والأنهار تجرف ذرات الذهب الدقيقة من أعماق القارات إلى البحار. هذا دون أن نغفل العواصف الرملية (التي تحمل الغبار الجوي)، بل وحتى الفتحات الحرارية العميقة في قاع المحيط المعروفة بالينابيع الحارة، تَبعث عناصر ثمينة مثل الذهب إلى الماء. حين يصل إلى هناك، يمتزج الذهب بعناصر مثل الكلور، ويتحد مع الجسيمات العالقة في الماء، فيصبح توزيعه بالغ الدقة ويصعب فصلُه أو رؤيته.

وهنا تتكشف أهمية القياسات العلمية الدقيقة. فريق الباحثة كيلي فالكِنر وضع الخطوط العريضة لفهم تراكيز المعادن الثمينة في البحار. ويقدّر الباحثون أن تركيز الذهب المذاب في المحيط الأطلسي وشمال المحيط الهادئ يتراوح بين 50 إلى 150 فمتومول لكل لتر، أي جزء من تريليون! هذه المقادير المتناهية الصغر تتطلب أدوات بحث عالية الدقة وإجراءات صارمة لمنع التلوث، كجمع الماء بزجاجات معقمة واستخدام غرف هواء نقية لمعالجة العينات.


التحديات التقنية: لماذا يصعب استخراج الذهب من مياه البحر؟

وبالحديث عن تحدي القياس والاستخراج، تبدأ المشكلة بأن الذهب ميّال للالتصاق بكل ما يحيط به تقريباً؛ سواء بجدران الأوعية أو بجسيمات دقيقة. العلماء مجبرون دائماً على إجراء اختبارات للتأكد من نقاء العيّنات وتصفير معدلات التلوث، الأمر الذي يجعل تجاربهم طويلة ومعقدة. حتى عند وجود المعدات المناسبة، فإن الكمية في كل لتر ماء تبلغ فقط بضعة تريليونات من الغرام! ولك أن تتخيل أن تقديراً شهيراً أشار إلى وجود نحو غرام واحد فقط من الذهب في كل 100 مليون طن متري من مياه المحيط. يبدو الرقم لافتاً حين نتذكر ضخامة المحيطات، لكنه يصبح هزيلاً عند محاولة استخراج الذهب منها بالدلاء أو حتى بالمضخات المتطورة.

وهذا يوضح لماذا لم تنجح حتى الآن كل محاولات "صيد الكنوز" البحرية في جني ثروات حقيقية من الذهب الذائب في الماء.


كنوز قاع البحر: معادن نادرة في الأعماق

لكن، هل توجد فرص أفضل في قاع البحر؟ صحيح أن بعض المعادن، ومنها مركبات كبريتيد الذهب، تتراكم في قشرة القاع بالعمق السحيق، ومع ذلك فهي ليست في متناول الأيدي، إذ تقع على أعماق تُقدر بأميال ويستدعي الوصول إليها معدات معقدة وسيارات غاطسة تعمل عن بُعد. حتى في أماكن الفتحات الحرارية الغنية، يظل الذهب نادراً، غالباً محبوساً في صخور صلبة ومعادن لا تظهر للعين.

ويرتبط هذا بنقطة محورية: ليس فقط قلة تركيز الذهب، بل صعوبة انتشاله والمخاطر الخاصة بالتوازن البيئي في تلك المناطق، جميعها تحديات هائلة أمام مشاريع التعدين أو الاستغلال.


الحلم الاقتصادي وتحديات الواقع

ورغم المقترحات التي ترى في تحلية المياه فرصة لاستخلاص الذهب كمنتج جانبي مربح، إلا أن الدراسات المتخصصة تؤكد أن المخططات لا تتجاوز نطاق المختبرات والتجارب الصغيرة. فالتحدي الحقيقي يكمن في ابتكار مواد فعّالة وقليلة التكلفة لامتصاص الذهب من كميات ضخمة من المياه، وهو ما لم يتحقق بعد بصورة عملية واقتصادية.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل كمية الذهب الإجمالية تستحق المغامرة؟ تشير الأبحاث الأخيرة إلى أن حجم الذهب المذاب عالمياً لا يتجاوز 14 مليون كيلوغرام، ويستغرق نحو 220 عاماً حتى تتجدد مخزونات المحيطات منه. دراسة أخرى أوضحت أن الجزء الأكبر من الذهب المنبعث من الفتحات الحرارية لا يترسب حول مصادره، بل ينتقل بعيداً ويتبعثر في قاع المحيط مع الجسيمات الدقيقة.


في الخلاصة: العلم يربح في معركة الدقة

ذو صلة

إذاً، فالإغراءات الأسطورية عن ثروات الذهب البحرية تصطدم بقوة بحقائق الكيمياء والفيزياء. وبينما قد تخيب الآمال عند عُشاق المغامرات الرومانسية، يظل العلماء فخورين بما تحقق بفضل المهارات الدقيقة والأجهزة الحديثة والقياسات الموثوقة. الذهب موجود، بلا شك، لكنه موزعٌ برفق شديد، وحياد الأرقام يقول إن رحلة استخراجه من البحر ما تزال بعيدة المنال.

بتلخيص كل ما سبق، نجد أن المحيطات تحوي ذهباً حقيقياً، إلا أن سر جمال هذه القصة يكمن في الاكتشاف لا في الكنوز – وفي الدروس العلمية عن دورة العناصر الكبرى لا في مكاسب القراصنة.

ذو صلة