الكشف عن آلاف حالات الغش باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.. والتحقيقات تكشف أن ما ظهر ليس سوى غيث من فيض

4 د
الكشف عن 7000 حالة غش باستخدام الذكاء الاصطناعي في الجامعات البريطانية.
التحدي يفرض على الأكاديميين إعادة تقييم الامتحانات وطرق التقييم مع انتشار الذكاء الاصطناعي.
السرقة الأدبية التقليدية تتراجع بينما يزداد اعتماد الطلاب على الذكاء الاصطناعي.
عدد من الجامعات لم تصنف بعد استخدام الذكاء الاصطناعي كنوع من سوء السلوك الأكاديمي.
ضرورة تبني أساليب تقييم مبتكرة تبرز قدرات الطلاب وتحفظ نزاهة التعليم.
حالة من القلق تسود الجامعات البريطانية بعد الكشف عن آلاف حالات الغش باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، والتي تؤكد التحقيقات أن ما ظهر منها قد لا يمثل سوى "طرف الجبل الجليدي".
فخلال تحقيق صحفي أجرته صحيفة الغارديان البريطانية مؤخراً، تبين أن نحو سبعة آلاف حالة مؤكدة من الغش الأكاديمي المُثبت باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "شات جي بي تي" تم اكتشافها في الجامعات البريطانية خلال عام 2023-2024. هذا العدد يعني أن هناك 5.1 حالة غش باستخدام الذكاء الاصطناعي لكل ألف طالب، وهو رقم يثير حفيظة إدارات الجامعات والهيئات التعليمية، خصوصاً في ضوء التوقعات بأن يرتفع العدد هذا العام إلى قرابة 7.5 حالة لكل ألف طالب.
هذه التحقيقات تبرز تحديًا جديدًا وسريع التطور يواجه الجامعات حالياً؛ حيث يجد المسؤولون الأكاديميون أنفسهم مرغمين على إعادة تقييم طرق وأساليب التقييم والامتحانات مع استمرار تطور أدوات الذكاء الاصطناعي وانتشارها الواسع. الملاحظ أن أساليب الغش التقليدية مثل النسخ والاقتباسات غير المصرح بها بدأت تنخفض مقابل الصعود الواضح والمقلق لممارسات استخدام الذكاء الاصطناعي.
وبالعودة قليلاً للوراء، نجد أنه في السنوات السابقة خصوصًا بين 2019-2020، كان الغش التقليدي، وعلى رأسه السرقة الأدبية أو "البلاجريزم"، يمثل ثلثي حالات الغش الأكاديمي تقريباً. ومع تفشي جائحة كورونا وانتقال معظم التقييمات للإنترنت، سجلت هذه الطرق التقليدية زيادة ملحوظة. لكن مع ظهور الذكاء الاصطناعي وانتشاره في الوسط الطلابي، بدأ الغش يأخذ أشكالاً جديدة تعتمد على إنتاج المحتوى الكتابي الاصطناعي الأكثر صعوبة في الكشف عنه.
وهذه التغيرات ليست بسيطة أو عابرة؛ بحسب الاستطلاع الذي أجري، فقد انخفضت حالات السرقة الأدبية التقليدية إلى 15.2 حالة لكل ألف طالب في العام الدراسي 2023-2024 مقارنة بـ19 حالة سابقة. والمتوقع لها خلال هذا العام الدراسي الحالي أن تنخفض أكثر لتصل إلى حوالي 8.5 حالة فقط لكل ألف طالب.
هذا التحول يفرض على الجامعات تحديات عاجلة في طريقة التعامل مع المشكلة. والغريب هنا، أن عدداً غير قليل من الجامعات (حوالي 27٪ ممن ردوا على استفسار الغارديان) لم تبدأ حتى الآن بتصنيف سوء استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي كنوع مستقل من حالات سوء السلوك الأكاديمي. الأمر الذي يعزز الاعتقاد بأن حجم المشكلة الحقيقي ربما يكون أكبر بكثير من الأرقام المعلنة.
كما تشير العديد من الأبحاث والتجارب الأكاديمية إلى أن احتمالات اكتشاف المحتوى المُنتج باستخدام الذكاء الاصطناعي منخفضة جداً. وبالفعل، في تجربة أجريت في جامعة ريدنغ العام الماضي تبين أن 94% من التقييمات التي أُعدت بالذكاء الاصطناعي لم تكتشفها أنظمة التقييم في الجامعة. هذا الواقع يثير مخاوف حقيقية لدى خبراء التعليم الذين يجدون صعوبة بالغة في إثبات الغش باستخدام هذه الأدوات، ويخشون أيضاً من اتهامات خاطئة للطلاب الأبرياء.
ويقول الدكتور توماس لانكاستر، الباحث المتخصص في النزاهة الأكاديمية بكلية إمبريال في لندن: "تتميز أدوات الذكاء الاصطناعي بقدرتها على إنتاج محتوى شبيه جدًا بالنصوص البشرية، وإذا استخدمت بطريقة ذكية ومعدّلة، يصبح أثبات استخدامها في الغش أمراً بالغ الصعوبة".
ويتحدث بعض الطلاب عن تجاربهم الشخصية مع الذكاء الاصطناعي، فمنهم من يستخدمه لتوليد الأفكار أو تلخيص المحتوى أو حتى تهيئة وهيكلة الأبحاث دون النسخ المباشر، علماً بأن هذه الممارسات تظل رمادية بين الاستخدام المشروع وغير المشروع. ومنهم أيضاً طلاب يعانون من صعوبات التعلم مثل عسر القراءة (الديسلكسيا)، حيث توفر لهم هذه الأدوات مساعدة كبيرة في هيكلة واحكام أفكارهم، وهو ما دعا مؤخراً وزير العلوم والتكنولوجيا البريطاني بيتر كايل لتشجيع استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز المساواة في الفرص لذوي صعوبات التعلم.
وفي الوقت الذي تستمر فيه منصات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل وأوبن إيه آي بترويج عروض خاصة مجانية للطلاب الجامعيين، تشهد البيئة التعليمية دعوات لإيجاد حلول إبداعية في التقييم والابتعاد قليلاً عن التركيز التقليدي على الامتحانات والحفظ؛ والتركيز بدلاً من ذلك على تنمية قدرات الطلاب الفريدة ومهارات التواصل والمشاركة الفاعلة في العمل الجماعي، التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاتها بسهولة.
التحديات حقيقية والعالم التعليمي يواجه مرحلة تحوّل جذرية؛ لكن الحلول الممكنة تكمن ربما في تبنّي أساليب تقييم مبتكرة تجعل استخدام الذكاء الاصطناعي داعماً حقيقياً للتعلم، لا عائقاً أمام نزاهة العملية الأكاديمية. ولعلنا نحتاج إلى مزيد من البحث والمناقشة حول سبل ضبط استخدام هذه التقنيات بما يضمن نزاهة التعليم وجودته، دون حرمان الطلبة من الاستفادة من ثمار الابتكار التقني الحديث.