انهيار كاد ينهي النظام الشمسي… كيف أعادت الشمس تشغيل نفسها؟

3 د
أظهرت بيانات ناسا أن الشمس بدأت في استعادة نشاطها منذ 2008 بشكل غير متوقع.
كان العلماء يتوقعون سباتًا شمسيًا طويلًا بناءً على تراجع البقع الشمسية والرياح الشمسية.
زادت مخاطر الطقس الفضائي على الأرض مع تصاعد النشاط الشمسي غير المتوقع.
تضع ناسا سلامة البشر في الاعتبار مع ارتفاع النشاط الإشعاعي في مهامها الفضائية.
البيانات الأخيرة تؤكد أن سلوك الشمس متقلب ويصعب التنبؤ به على المدى الطويل.
لطالما اعتقد العلماء أن نجمنا المركزي يتجه إلى مرحلة خمود طويلة، لكن بيانات جديدة من وكالة ناسا قلبت هذه التوقعات رأساً على عقب وأظهرت أن الشمس بدأت منذ عام 2008 في استعادة نشاطها بشكل غير متوقع.
في البداية كانت المؤشرات كلها تؤكد العكس. فمنذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى 2008، سجل الباحثون تراجعاً مطّرداً في أعداد البقع الشمسية، وانخفاضاً في قوة الرياح الشمسية، بل حتى حرارة البلازما والمجال المغناطيسي بدت في أضعف مستوياتها. حينها توقع الكثير من الفيزيائيين تكرار سيناريو “السبات الشمسي” الطويل الذي حدث في القرنين السابع عشر والتاسع عشر. وهذا يمهد للانتقال للجزء الأهم: ما الذي حدث بعد هذا التوقع القاتم؟
انقلاب مفاجئ في سلوك الشمس
بعد عام 2008 انقلب المشهد رأساً على عقب. أشارت قياسات المراصد الفضائية إلى أن الشمس بدأت تستعيد عافيتها تدريجياً، في مفاجأة وصفها فريق جيمي جاسينسكي من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا بأنها عودة غير متوقعة. فبدلاً من الدخول في حالة سكون عميقة، أخذت المؤشرات مثل سرعة الرياح الشمسية وارتفاع درجة حرارة الجسيمات المشحونة تتصاعد من جديد. وهذا التحول ربط العلماء مباشرة بزيادة مخاطر الطقس الفضائي على الأرض.
وهنا تبدأ المخاوف الأرضية بالظهور. فزيادة التوهجات الشمسية والانبعاثات الكتلية الإكليلية تترجم عملياً إلى اضطرابات محتملة في الاتصالات، وتعطل أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية، بل وحتى تهديدات لشبكات الكهرباء على الأرض. وهذا يوضح أن الموضوع لم يعد محصوراً في نطاق البحث العلمي البحت.
تأثير مباشر على خطط الفضاء
تتابع ناسا الأمر عن كثب لسبب إضافي: مهماتها المأهولة المقبلة. مع انطلاق برنامج أرتميس لإرسال رواد فضاء إلى القمر ومن ثم إلى المريخ، يصبح فهم النشاط الإشعاعي القادم من الشمس مسألة متعلقة بسلامة البشر. فزيادة الجسيمات عالية الطاقة تعني تعريض أطقم الرحلات لخطر يفوق بكثير ما كان متوقعاً سابقاً. ومن هنا يبرز الربط الواضح بين النشاط الشمسي والقرارات الاستراتيجية الفضائية.
ولمواجهة هذا التحدي، تستعد وكالتا ناسا والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأمريكية لإطلاق ثلاث مهمات جديدة تحمل أسماء “إيماپ”، “مرصد كارثرز للهالة الأرضية”، و“سوڤو-إل1”. وستكون مهمتها جمع بيانات دقيقة وتحسين القدرة على التنبؤ بعواصف الفضاء. وبهذا تنتقل الدراسة من الجانب النظري إلى حماية أنظمة الاتصال والحياة البشرية في الفضاء.
دروس من الماضي وأسئلة للمستقبل
تاريخ الشمس مليء بالمفاجآت. فبين عامي 1645 و1715 وقعت في مرحلة سبات طويلة تُعرف بـ“الحد الأدنى لموندر”، وما بين 1790 و1830 تكرر الأمر بنسخة أصغر. لكن الغريب أن أحداً لا يعرف تماماً لماذا يحدث هذا التراجع الحاد. ولذلك اعتُبر عام 2008 نقطة فاصلة؛ حين اعتقد معظم الخبراء أننا نسير نحو سيناريو مشابه، فإذا بالشمس تعود لتنشط وتكسر التوقعات. وهذا الربط مع الماضي يوضح أن أسرار النجم الأكبر في مجموعتنا الشمسية أبعد ما تكون عن الحل النهائي.
في الخلاصة، أثبتت البيانات الأخيرة أن الشمس كائن متقلب يصعب الإمساك بسلوكه طويل الأمد. ومع أن دورة النشاط الشمسي كل 11 عاماً تُعتبر متوقعة نسبياً، فإن التوجهات الممتدة لعقود أو قرون ما زالت لغزاً بحاجة لتفسير أعمق. وبينما يواصل الباحثون مطاردة هذه الأسرار، يبقى تحدينا البشري واضحاً: فهم الشمس لا يعني فقط إشباع فضول علمي، وإنما ضمان سلامة تقنيتنا وروادنا في مغامرات الفضاء المقبلة.