بخار ماء في كواكب غريبة… هل نعيش وهم أننا وحدنا في الكون؟

4 د
رصد تلسكوب جيمس ويب بخار الماء في أجواء كواكب بعيدة خارج المجموعة الشمسية.
هذه "الكواكب شبه النبتونية" تجمع بين خصائص نبتون وحجم أصغر وضغوط مهولة.
البحث العلمي يركز على دور الماء في تطور الكواكب ودعم الحياة الافتراضية.
يوفر الاكتشاف الحالي بيانات جديدة تحفز أبحاث الأحياء الفلكية واكتشاف الكواكب القابلة للعيش.
في اكتشاف فلكي يثير الدهشة، رصد تلسكوب جيمس ويب للفضاء دلائل واضحة على وجود بخار ماء في أجواء كواكب بعيدة خارج مجموعتنا الشمسية، مما يغير نظرة العلماء عن إمكانية وجود مقومات الحياة في أماكن لم نكن نتوقعها.
حين تتابع عيوننا أخبار الفضاء، تأتي النتائج من مرصد جيمس ويب لتعطينا نفحة جديدة من الحماس والفضول. فقد استطاع أكبر تلسكوب لدراسة أعماق الكون حتى الآن تحديد آثار البخار المائي في أجواء ما يسمى بـ"الكواكب شبه النبتونية"، وهي عوالم متوسطة الحجم غنية بالماء تدور حول نجوم بعيدة جدًا عن الأرض.
ونتعمق هنا قليلاً في تفاصيل الكواكب شبه النبتونية، فنجد أنها تختلف عن عمالقة الغاز مثل نبتون أو زحل، لكنها تتجاوز حجم الأرض بأضعاف، وتضم أجواء كثيفة ومعقدة. ولتبسيط الفكرة، يمكن وصف هذه الكواكب بأنها تقترب من تكوين نبتون ولكن في حجم أقل، وتخضع لضغوط ودرجات حرارة مذهلة، ما يجعل احتمال وجود الماء في صورة سائلة أو غازية موضوع نقاش واسع بين المختصين. وهذا بالضبط ما يجعل اكتشاف البخار المائي في غلافها الجوي بهذه الأهمية.
رحلة علمية جديدة في فهم تطور الكواكب
نتيجة هذا الاكتشاف فاجأت الكثيرين من الباحثين، إذ دفعتهم إلى تطوير نماذج علمية متطورة تحاكي تطوّر تلك العوالم من فترة التشكل الأولى وحتى مليارات السنين بعد ذلك. يقود هذه الدراسات فريق من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، بقيادة الباحث أرتيم أجيشين، حيث يركزون على تتبع انتقال الحرارة، تطور الضغوط، ودور الماء في تحديد الطبقات الداخلية لتلك الكواكب.
وهذا يوضح لنا كيف أن دراسة الكواكب البعيدة لم تعد مجرد مشهد مأخوذ بتلسكوب بل باتت محاكاة دقيقة لجميع العمليات الديناميكية والفيزيائية التي تسيّرها مع الزمن. ولسنوات طويلة اعتمد العلماء على نماذج مطورة لدراسة الأقمار الجليدية مثل أوروبا وإنسيلادوس، إلا أن الكواكب شبه النبتونية تتطلب فهماً أعمق بسبب شدة بيئتها وخصائصها المركبة.
حالات مدهشة للماء... من السائل إلى الجليد الفائق
ولعل أكثر ما يميز هذا البحث الحديث هو الإضاءة على سلوك الماء في ظروف يعجز الخيال عن تصورها. فعلى تلك الكواكب ليست هناك بحار أو أنهار كالتي نعرفها، بل توجد "مياه فوق حرجة" لا هي غازية ولا سائلة، بل تجتمع فيها خصائص الحالتين بفعل ضغط هائل وحرارة مرتفعة. يُضاف إلى ذلك احتمال وجود نوع فريد يعرف بالجليد الفائق التأين، وهو طور نادر للماء فيه تتحرك أيونات الهيدروجين بحريّة داخل شبكة صلبة من ذرات الأوكسجين.
هنا تبرز أهمية تلسكوب جيمس ويب وغيره من التلسكوبات المستقبلية مثل بعثة PLATO التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، حيث تصبح مراقبة طبقات الغلاف الجوي وتحليل إشارات البخار والعناصر الكيميائية وسيلة رئيسية لاستنباط تركيب الكوكب الداخلي وإمكانياته لدعم أي نوع من أنواع الحياة.
ونصل من هذا إلى جانب بالغ الإثارة: فوجود الماء حتى في حالاته الغريبة يظل ضرورياً، لأنه وسط يسمح بحدوث تفاعلات كيميائية معقدة، إذ يلعب دور الحمض والقاعدة ويذيب الأملاح والأحماض الأمينية ويدعم الروابط الهيدروجينية التي تقود استقرار أو تفكك المواد الحيوية. يقول أرتيم أجيشين: "الحياة هي أساسها التعقيد، والماء بخصائصه المتنوعة يعزز وجود هذا التعقيد البيوكيميائي".
الطريق نحو اكتشاف الحياة... بداية واعدة
يُمكن القول الآن إن عوالم البخار ـ التي كانت تُعتبر أقل استقراراً أو غير صالحة أحياناً لدعم الحياة ـ باتت محور الاهتمام في أبحاث الكواكب الخارجية. إذ تساعد النماذج الحاسوبية المتطورة العلماء على تفسير بيانات جيمس ويب الحالية والاستعداد لملاحظات بعثات قادمة، ما يوفر طريقًا جديدًا لاكتشاف كواكب يُحتمل أن تكون صالحة للعيش خارج مجموعتنا الشمسية.
ولأن كل اكتشاف جديد يفتح الباب أمام مزيد من الأسئلة، فإن البحث في هذه "العوالم البخارية" سيُعطي دفعة قوية لأبحاث الأحياء الفلكية، خاصة مع الاستعداد لتلقي نتائج جديدة خلال السنوات القادمة من تلسكوب PLATO وغيره، والتي ستساعد في تحسين فهمنا وتطوير النماذج بحيث تكون أكثر دقة وواقعية.
في الختام، يرسم لنا تلسكوب جيمس ويب خارطة طريق جديدة نحو استكشاف أسرار الفضاء، ويذكرنا بأن الماء ـ بكل صوره وأطواره ـ يظل العنصر الأهم عند البحث عن الحياة في الكون. فكل معلومة جديدة عن بخار الماء على كوكب بعيد تحمل في طياتها وعداً بإعادة رسم حدود ما نعتبره ممكناً في مسألة نشوء الحياة عبر المجرات.