بوابة من الحجر إلى الماضي: قبر عمره 5000 سنة مكتشف حديثًا قد يقود إلى مملكة ما قبل التاريخ

4 د
تم اكتشاف مقبرة قديمة في خنان بالصين تكشف عن حضارة منسية.
تحوي المقبرة أكثر من 350 قطعة أثرية ثمينة مثل اليشم والفخار.
تم العثور على أدلة على تخريب متعمد في المقبرة بعد الدفن.
يشير تنوع القطع إلى تفاعلات ثقافية متعددة في الصين القديمة.
قبل 5000 عام، عاش إنسان مجهول المكانة والقوة على أرض الصين، واليوم بعد آلاف السنين من الصمت والغموض، عادت قصته للظهور بعدما كشفت الحفريات الأثرية عن مقبرة قد تقود إلى اكتشاف مملكة منسية تؤرخ لحقبة مجهولة تمامًا من الحضارة القديمة في شرق آسيا.
هذه المقبرة المكتشفة مؤخراً، والتي تمت في موقع أطلال "وانغ تشوانغ" بمدينة يونغ تشنغ في إقليم خنان وسط الصين، قد تكون دليلاً على مملكة ما قبل التاريخ. العلماء باتوا يعتقدون أن هذه المقبرة الفريدة قد تغير جذرياً فهمنا المبكر للحضارة الصينية. ويقول فريق التنقيب من معهد التراث الثقافي وعلم الآثار في خنان، والذي عمل بالتعاون مع جامعة العاصمة الصينية، إن حجم المقبرة الذي يتخطى 17 متراً مربعاً أكبر بكثير من القبور التقليدية التي كانت معروفة في أواخر العصر الحجري الحديث، أي ما يقرب من عام 2600 إلى 4000 قبل الميلاد.
وهذا الاكتشاف ليس حجراً أو وعاءً فحسب، بل وفقًا لصحيفة "تشاينا ديلي" فهو كنز ضخم من التاريخ يضم أكثر من 350 قطعة أثرية ثمينة منها مجوهرات وزخارف صغيرة من حجر اليشم، وحوالي 200 قطعة من أدوات العظام والفخار النفيس، إضافة إلى فكوك حيوانات وبخاصة الخنازير والتي كانت ترمز للثراء والقرابين في تلك الحقبة القديمة. ورغم ذلك الثراء، ما يزال لغز صاحب القبر قائماً، حيث لم يُعثَر سوى على أجزاء متناثرة من العظام البشرية—بضعة عظام لأصابع القدم—دون العثور على بقية الهيكل العظمي للراقد في المقبرة.
وهذه الغرابة لا تقف هنا فقط، فقد أوضح الباحث الكبير "تشو غوانغهوا" من جامعة العاصمة الصينية، أن الباحثين توصلوا إلى أن المقبرة قد تعرضت لتخريب مقصود بعد الدفن بفترة ليست طويلة. ووجد علماء الآثار مؤشرات على تدمير متعمد، حيث كانت قطع اليشم مبعثرة، والأدوات الحجرية الاحتفالية مكسورة عن قصد. وهو ما يطرح تساؤلاً عما إذا كانت دوافع الاعتداء مرتبطة بنزاعات اجتماعية أو سياسية أو ربما نتيجة صراعات أو عمليات نهب منظَّمة.
ويرافق هذا اللغز المحدَّد للمقبرة لغز أكبر يتعلق بكامل المجتمع في ذلك الزمن. فعلى مستوى الموقع كاملاً اكتشف الباحثون 45 قبراً من حقبة ثقافة "داوينكو"، تم التنقيب عن 27 منها حتى الآن. وتكشف هذه القبور عن تباين واضح بين أحجامها ومستوى ثرائها، ما يعكس بوضوح وجود تراتبية طبقية وهرمية اجتماعية بارزة. وكما أكد البروفيسور "ليو هاي وانغ"، قائد الفريق الأثري المشترك، يرتبط حجم القبر دوماً بثروة صاحبه ومرتبته الاجتماعية في تلك المجتمعات القديمة.
هذا الواقع الجديد الذي تكشف أمام العلماء، دفع الفريق إلى الاعتقاد بأن موقع وانغ تشوانغ لم يكن مجرد مستوطنة قديمة عادية، بل عاصمة إقليمية كبرى أو مركزاً لمملكة منسية من العصور القديمة. كما كشفت التحليلات أن المقبرة تُظهِر تقاليد دفن مختلفة تنتمي إلى أكثر من منطقة؛ حيث لوحظت تأثيرات واضحة من الثقافات الشرقية من "داوينكو"، وكذلك تأثيرات من مناطق نهر اليانغتسي، مما يشير إلى تفاعلات ثقافية وتداخل بين تقاليد وقبائل مختلفة في الصين القديمة.
بالإضافة لذلك عُثر على قطع مميزة من ثقافة "يانغ شاو"، مثل جرار الفخار ذات القاعدة المدبّبة والفوهة الضيقة، وأسنان "غزال الماء"، وحتى جمجمة مشوّهة من الخلف، وهي من الميزات البارزة لتقاليد الدفن من ثقافة داوينكو. وبحسب "لي شين وي"، نائب مدير معهد التاريخ القديم في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، فإن هذه الاكتشافات تعكس بداية التبادل الأول بين الحضارات في الصين القديمة، ما يمنح موقع وانغ تشوانغ أهمية استثنائية لفهم تطور وتداخل الثقافات والحضارات في الصين المبكرة.
لعل الغوص بشكل أعمق في هذا الاكتشاف المهم سيمنح الباحثين فكرة أوضح عن طبيعة العلاقات بين الحضارات التي سبقت التاريخ المدوّن في الصين، ويوضح الدور السياسي والاجتماعي الذي لعبته مملكة وانغ تشوانغ في مرحلة محورية من التاريخ الصيني. كما قد يُفيد المقال بإضافة جملة ربط بسيطة توضّح للقارئ تداخل هذه الحضارة في سياقات زمنية معروفة بشكل أوضح قليلاً لتسهيل الاستيعاب بشكل أكبر، مع استخدام مرادف أقوى لبعض المصطلحات العامة مثل التركيز على "الثراء الثقافي" بدل مجرد "الثقافة". في النهاية، هذا الكشف التاريخي الهام، بالتأكيد، سيكون بوابة لفهم أفضل لأسرار حقبة ما قبل التاريخ في قلب الإمبراطورية القديمة.