ذكاء اصطناعي

شظايا نيزك تكشف عن معدن غامض لم يعرفه البشر من قبل

محمد كمال
محمد كمال

3 د

كشفت دراسة حديثة عن معدن جديد في شظايا كويكب ريوغو، لم يسبق رؤيته على الأرض.

هذه النتائج تقدم نافذة جديدة لفهم بدايات النظام الشمسي ونشأة الحياة على الأرض.

تمت الدراسة باستخدام عينات صغيرة بلغت 9,3 مليجرامًا من الكويكب.

تثير العناصر المكتشفة والتفاعلات الكيميائية في العينات تساؤلات حول تاريخ الأرض.

ترتبط الاكتشافات بفرضية مساهمة الكويكبات في جلب اللبنات الأولى للحياة إلى الأرض.

هل تخيلت يومًا أن قطعة صغيرة من الصخور قد تحمل أسرارًا تفوق عمر الأرض نفسها؟ خبراء الفضاء حققوا مؤخرًا ذلك بالفعل، بعد أن كشفت عينات صغيرة من الكويكب ريوغو عن وجود معدن لم يسبق للبشر رؤيته على كوكبنا. هذه النتائج تفتح أمامنا نافذة جديدة مذهلة لفهم بدايات النظام الشمسي والمكونات التي ربما ساهمت في نشأة الحياة على الأرض.

البداية تعود إلى مهمة هايابوسا 2 اليابانية الشهيرة، التي استطاعت في عام 2020 إيصال جزيئات نادرة للغاية من الكويكب ريوغو إلى الأرض، بلغت كميتها الإجمالية 5.4 جرام فقط. من هذه الحصيلة، حصل مجموعة من العلماء بقيادة بول نورثروب من جامعة ستوني بروك على 9.3 مليجرامًا لتحليلها. ما أن بدأ الفريق بدراسة هذه العينات باستخدام تقنيات تصوير بالأشعة السينية متقدمة، حتى ظهرت لهم خبايا مدفونة منذ بزوغ شمس المجموعة الشمسية.

وهذا يبرز الطريقة التي غيّرت بها عينات ريوغو منظور العلماء حول العلاقات بين الكويكبات وتاريخ الأرض القديم.


أسرار لا تُمحى: كنوز كيميائية من خارج الأرض

الكواكب والأرض نفسها شهدت خلال مليارات السنين تغيرات جذرية، جرفت معها الكثير من الحقب الجيولوجية والمعطيات الكيميائية الأصلية. أما كويكب مثل ريوغو، فهو قطعة نقية نسبياً لم يمسّها العبث والعوامل الأرضية القاسية. في تلك الحبيبات، وجد العلماء عناصر كالمنغنيز، الكالسيوم، الفوسفور، السيلينيوم، الحديد، الكبريت والسيليكون، وهي جميعها تُمثل سجلًا شبه كامل لتفاعلات كيميائية حدثت في العهد الأول للنظام الشمسي.

ربط هذه النتائج بالاكتشاف الأهم وهو معدن الفوسفيد النادر، الذي لم يُكتشف على سطح الأرض من قبل، يثير تساؤلات حول الكنوز المعدنية والجيولوجية التي يخفيها الفضاء عن أعيننا.

المثير أكثر أن فريق الباحثين حدد أيضاً مادة اسمها “هيدرات فوسفات الأمونيوم والمغنيسيوم”، وهي معدن بلوري يعرف اختصاره بـ HAMP، يشبه نوعًا من المعادن الأرضية يسمى ستروفايت، والذي عادة يرتبط بالنشاط الحيوي ويساهم في تكوين بعض حصوات الكلى.

يرتبط هذا الانتقال بالنقاش الدائر حول أصل المواد العضوية والأحجار الكريمة خارج الأرض، وإمكانية أن تكون مهدت لظهور الحياة على كوكبنا.


هل ساهم الفضاء في نشأة الحياة الأرضية؟

العثور على معدن HAMP غير المعروف سابقاً في مجال الجيولوجيا الأرضية، وأيضاً ارتباطه الوثيق بظواهر بيولوجية على الأرض، يدفع بالكثير من العلماء كعالم الأحياء الفلكية ماثيو باسيك للتساؤل حول دور الكويكبات في جلب اللبنات الأولى للحياة. فقد اعتبر أن اكتشاف هذا المعدن الغريب يعزز من فرضية أن مواداً عضوية أو معادن أساسية ربما وصلت إلى الأرض على متن كويكبات ونيازك، وساهمت تدريجيًا في تهيئة البيئة لظهور الحياة.

ولا تتوقف أهمية هذه الاكتشافات عند حدود المعادن فقط، بل تلقي الضوء أيضاً على كيفية تشكل وتطور نظامنا الشمسي، وتحافظ على حقائق نادرة ظلت طي الكتمان في صخور الفضاء.

هذه الرؤية تلتقي مع أفكار أخرى في مجال علوم الكواكب تتعلق بكيفية انتقال المواد بين الأجرام السماوية ودورها في ضمان استمرارية وتنوع الحياة.


ريوغو: مرآة الماضي وبوابة المستقبل

ذو صلة

المعادن المكتشفة في شظايا ريوغو تؤكد أن دراسة الأجرام السماوية الصغيرة ليست ترفًا علميًا، بل تمثل ركيزة لفهم التطور الجيولوجي والكيميائي لكوكبنا وربما لبقية الكواكب. إذ أن كل حبة غبار أو جزيء معدني قادم من الفضاء ينبض بحكاية عمرها ملايين أو حتى مليارات السنين، وقد يحمل معه مفاتيح ألغاز طالما حيّرت العلماء عن تكون الأرض ونشأة الحياة. هذه النتائج نشرت مؤخرًا في دورية Geosciences، وتظل العينات المأخوذة من ريوغو نادرة لدرجة أن الباحثين يتنافسون على كل جزء صغير منها.

وفي الختام، هناك إجماع بين علماء الكواكب، الجيوكيمياء، والأحياء الفلكية على أن تحليل كل ذرة ويخ من ريوغو يسمح لنا بإعادة رسم خريطة البدايات الأولى للنظام الشمسي. وقد يكون وجود معادن غير أرضية في هذه العينات هو المفتاح لفهم ليس فقط ماهية العناصر التي بُنيت عليها الحياة الأرضية، بل أيضًا كيف جاءت تلك العناصر إلى هنا. مع كل اكتشاف جديد، يثبت الكون أنه يحمل من الأسرار أضعاف ما توقعنا، وينتظر منا فقط الجرأة والكثير من الفضول.

ذو صلة