ما ظنّه العلماء نفايات… كان إرثًا عمره خمسة قرون

3 د
كشف كهف "تلايوكوك" في المكسيك عن كنز أثري لحضارة مفقودة عمرها 500 عام.
يتضمن الاكتشاف أساور وأقراص حجرية تعود لـ"تلاكوتيبيوا" المجهولة، تمتاز بصياغة المعادن.
تعاون الباحثون مع السكان لحماية الكهف ودعم فهمهم للتراث الثقافي.
عمليات التوثيق مستمرة لفك ألغاز الحضارة الغامضة في جبال غيريرو.
لم يتصور أهالي منطقة غيريرو المكسيكية وهم يتحدثون بحذر عن كهف "تلايوكوك" الغامض، أن ما كانوا يظنونه مجرد مخلفات أو نفايات ملقاة سيصبح في الواقع اكتشافاً تاريخياً مذهلاً. فما بدا للوهلة الأولى "زبالة" منسية لزوارٍ عابرين كان في الحقيقة كنزاً أثرياً يعود لحضارة مجهولة، تعود جذورها لقرونٍ خلت.
بدأت قصة الكشف المثير في سبتمبر 2023 عندما قررت خبيرة الكهوف الروسية كاتيا بافلوفا والمرافق المحلي أدريان بلتران ديماس أن يخوضا مغامرة في أرجاء كهف "تلايوكوك"، الكهف الجبلي الذي يقع على ارتفاع حوالي 2,400 متر وسط جبال غيريرو الوعرة. وعلى الرغم من معرفتهم المسبقة بمكانة الكهف المحلية كمصدر للمياه وفضلات الخفافيش، اختار المكتشفان مساراً صعباً صعوداً نحو ممرٍ ضيقٍ وغمرته المياه، كان ارتفاعه فوق سطح الماء لا يزيد عن 15 سنتيمتراً فقط.
وبعد اجتياز هذا الممر الضيق إلى حجرة صغيرة بالكاد يبلغ ارتفاع سقفها متراً واحداً، وجدا مجموعة أشياء متناثرة ظنا بدايةً أنها قمامة حديثة. وعند التحقق عن قرب، اتضح أنها قطع أثرية ثمينة تضمنت أساور من أصداف بحرية مزينة بالنقوش، وطبق كبير من الصدف محفور بدقة، بالإضافة إلى أقراص حجرية لامعة تُشبه المرايا وقطعة من الخشب المتفحم. هذا الاكتشاف المذهل دفع الفريق للتواصل فوراً مع "المعهد الوطني المكسيكي للأنثروبولوجيا والتاريخ"، الذي باشر فوراً بإرسال فريق من الآثاريين للتحقيق وتوثيق الحدث.
وفي مارس 2025، بدأت عمليات الفحص والتسجيل والتوثيق رسمياً، بقيادة مجموعة من الخبراء المحليين المعروفين مثل ميغيل نيغريتي وكواوتيموك ألفاريز والباحثة غييرمينا فالينتي راميريز. وتبين أن الكنز المكتشف يتكون من 14 قطعة ترجع إلى الفترة الما بعد كلاسيكية "900-1521 ميلادي"، وتنسب إلى ثقافة محلية مغمورة تسمى "تلاكوتيبيوا" كانوا مشهورين بمهاراتهم في صياغة المعادن والطقوس الاحتفالية وإقامة الشعائر في المواقع الطبيعية مثل الكهوف.
تجلت القيمة الثقافية للقطع الفنية المكتشفة من خلال نقوشها وتصاميمها، منها نقش لشخصية دينية ربما كانت الإله كيتزالكواتل أو تلاويزكالبانتيكوتلي، وهما من الرموز الدينية التي تربطها حضارات المكسيك القديمة بالكواكب والفجر والخصوبة. أما الطريقة الفريدة لترتيب القطع الأثرية، والتي كانت مثبتةً حول تكوينات صخرية "صواعد" في إشارة رمزية توحي بطقوس خصوبة مقدسة، فقد عززت هذه الفرضية.
ساهمت عوامل العزلة وارتفاع معدلات الرطوبة في داخل الكهف بحفظ القطع الأثرية بشكل ممتاز، ما جعلها تصل إلينا بحالة ممتازة بعد قرون مضت. إلى جانب ذلك، لم يترك المستكشفون والباحثون الجهات المحلية من المجتمع المحلي في وضع المتفرج؛ بل تعاونوا مع أهالي القرية المجاورة لتعزيز إدراكهم حول قيمة التراث وأهمية حماية هذه المواقع من السرقة والعبث. أصبح السكان المحليون بذلك حراساً طبيعيين، يشكلون خط الدفاع الأول.
ورغم نجاح هذا الاكتشاف البارز، لا تزال رحلة الاستقصاء والدراسة مستمرة؛ فقد وعد الباحثون بالكشف عن المزيد من الألغاز المحيطة بهذه الحضارة الغامضة والتراث الثقافي النوعي لمنطقة غيريرو التاريخية.
تملك هذه القصة كل مقومات الإثارة والتشويق، فهي تذكرنا دوماً بقيمة الطبيعة وغنى موروثنا الثقافي الذي ينتظر في أماكن لم نتخيلها من قبل. وكم سيكون رائعًا لو أكدنا أكثر على معاني هذه العبارة، وطورنا ربطًا أوضح بين الماضي والحاضر، لعله يضمن للقارئ مزيدًا من انطباع الارتباط الشخصي بالأحداث المكتشفة.