ذكاء اصطناعي

هل كان اسم النبيل المصري ‘ميسي’؟ اكتشاف تمثال فريد في سقارة يعود لعصر الدولة القديمة

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشاف تمثال جنائزي نادر في سقارة يعود إلى الأسرة الخامسة باسم “ميسي”.

التمثال يصور عائلة نبيلة، ويعكس جوانب الحياة اليومية في مصر القديمة.

التمثال يتميز بتقنياته الفنية الفريدة، جامعًا بين النحت الثلاثي والبارز.

سقارة تقدم شواهد مستمرة على عمق وابتكار الحضارة المصرية القديمة.

في قلب جبانة سقارة، حيث دُفن الملوك والنبلاء المصريون على مدى آلاف السنين، أعلن علماء الآثار عن كشف نادر لتمثال جنائزي يعود إلى الدولة القديمة يحمل اسمًا لافتًا: “ميسي”. هذا التمثال الفريد، المصنوع من الحجر الجيري ويبلغ طوله أكثر من متر واحد، يُعتبر بحسب الباحثين النموذج الوحيد المعروف من نوعه في تلك الحقبة.


ملامح استثنائية للتمثال


التمثال يصوّر رجلاً نبيلاً واقفًا بخطوة متقدمة إلى الأمام ترمز إلى القوة والحيوية، وإلى جانبه زوجته تمسك بساقه على مقياس أصغر بكثير، فيما تظهر طفلة صغيرة – يُعتقد أنها ابنته – متشبثة بساقه الأخرى وهي تحمل أوزة يُجسد منقارها المفتوح صرختها وكأنها على وشك إطلاق صوتها. وهذا يعكس جانبًا من الحياة اليومية التي حرص المصريون القدماء على تخليدها في مقابرهم.
ومن هنا ينتقل الحديث إلى أهمية الرمزية العائلية في الفن المصري القديم، حيث لم تكن هذه التفاصيل مجرد تشكيلات فنية بل رسائل عن الإخلاص والارتباط بالحياة بعد الموت.


بين الفن والعقيدة


العالم المصري زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق وأحد المشاركين في الدراسة العلمية، أوضح أن التمثال عُثر عليه إلى جوار “باب وهمي” نقش عليه اسم “ميسي”. في المعتقد الفرعوني كان الباب الوهمي وسيلة لروح المتوفى للانتقال ما بين العالمين، ما يرجح أن هذا الاسم هو هوية النبيل المدفون.
وهنا يظهر الرابط بين الفن الجنائزي والعقائد الروحية، حيث استخدم المصريون القدماء النسب والأحجام في التماثيل للتعبير عن المكانة والسلطة، فجاء الرجل أكبر حجماً من زوجته وابنته تأكيدًا لمقامه البارز.


ابتكار فني لم يسبق له مثيل


اللافت أن التمثال جمع خصوصيتين فنّيتين قلما اجتمعتا: فهو منحوت بشكل كامل ثلاثي الأبعاد لكل الشخصيات باستثناء الابنة التي جاءت بارزة على الخلفية بشكل نحت بارز. هذا الدمج بين مدرستين مختلفتين في النحت يُظهر روحًا من التجريب الفني والابتكار خلال الدولة القديمة. ويرى الباحثون أن هذه الجرأة الفنية تجعل من التمثال قطعة فنية متفرّدة تغير فهمنا لتاريخ النحت المصري.


أصداء أثرية في سقارة


سقارة، التي تضم أهرامات متدرجة ومئات المقابر والمعابد، كانت دائمًا كنزًا للباحثين في علم المصريات. ومع كل اكتشاف جديد فيها – من مومياوات إلى تماثيل مطلية بالذهب – يزداد وضوح ملامح الحياة اليومية والطقوس الجنائزية في مصر الفرعونية. هذا التمثال الجديد يضيف طبقة أخرى من الفهم لتلك الحضارة التي لا تزال تبهر العالم بقدرتها على المزج بين الرمز الديني والفن الراقي.
وهذا يربط الحاضر بالماضي، إذ تواصل مصر عبر مكتشفاتها المتتالية تقديم شواهد حيّة على عبقرية فنية تسبق عصرها.

ذو صلة

خاتمة


يبقى تمثال “ميسي” لغزًا جميلاً يعكس ليس فقط ملامح عائلة مصرية نبيلة قبل أكثر من أربعة آلاف عام، بل يكشف أيضًا عن شجاعة فنان فرعوني خرج عن المألوف في زمنه. إنه اكتشاف يذكّرنا أن الحضارة المصرية لم تكتف ببناء الأهرام، بل تركت وراءها إرثًا فنيًا متجددًا يعيد صياغة فهمنا لروح الدولة القديمة في كل مرة يظهر فيها حجر جديد من رمال سقارة.

ذو صلة