ذكاء اصطناعي

4500 سنة من الصمت… ونعش فرعوني مختوم يفجر مفاجأة مرعبة!

محمد كمال
محمد كمال

4 د

نجح العلماء في فك الشيفرة الوراثية لجمجمة فرعونية معزولة عمرها 4500 عام.

أظهر التحليل الجيني تداخل المصريين القدماء مع شمال إفريقيا وبلاد الشام.

أكد الاكتشاف تفاعل الحضارات المصرية مع جيرانها منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

استُخدمت تقنيات جينية حديثة لاختراق تحديات الطقس المصري القاسي.

في اكتشاف قد يغير خارطة فهمنا لأصول الحضارة الفرعونية، أعلن فريق من علماء الجينات والآثار عن نجاحهم في فك الشيفرة الوراثية لأول جمجمة مصرية معزولة داخل نعش خزفي محكم الإغلاق يعود تاريخه إلى أكثر من 4500 عام. هذا الكشف العلمي الصادم، الذي نُشر في مجلة "نيتشر" وأثار ضجة واسعة بين أوساط علم المصريات والأنثروبولوجيا، يلقي ضوءًا جديدًا على قصة نشأة المصريين الأوائل وتداخلهم مع حضارات الجوار وعلى رأسها بلاد الرافدين.


بداية غير متوقعة: الحمض النووي يتحرر من رمال الدهر

لطالما شكّل استخراج الحمض النووي (DNA) من رفات المصريين القدماء تحديًا أمام العلماء، بسبب حرارة الصحراء الشديدة وجفافها والبكتيريا النشطة التي تُتلف المادة الوراثية بسرعة. ورغم كل المحاولات السابقة، ظل العلماء عاجزين عن انتشال شيفرة جينية كاملة تعود لفترة الأسرات القديمة (العصر الفرعوني المبكر). ولكن هذه المرة، استعان الباحثون بتقنيات عالية الحساسية وطوّروا خوارزميات للفلترة الدقيقة، ما مكّنهم من استخراج قرابة 5% من الحمض النووي القابل للقراءة من عظام رجل دُفن في منطقة نوييرات، داخل نعش خزفي حجري قد يكون حماه من رياح الزمن وتقلبات البيئة لآلاف السنين.

هنا يبدأ التحول في فَهْمِنا لأصول ساكني مصر القديمة، فقد أوصلت القراءة الجينية علماء معهد "فرانسيس كريك" البريطاني إلى جينوم كامل لأول مرة في الشرق الأدنى الإفريقي من هذا العمق الزمني. وهذا بدوره يفتح باب التساؤلات الكبرى حول طبيعة الاختلاط الذي شهدته تلك المنطقة في الألفية الثالثة قبل الميلاد.


أبعاد جينية جديدة: من هم أوائل المصريين حقًا؟

ما وجدوه في شيفرة هذا المصري القديم، الذي اسموه "فرد نوييرات"، كان مفاجئًا للجميع. فقد كشفت النتائج عن أن 80% تقريبًا من جيناته متطابقة مع شعوب شمال إفريقيا القديمة، بينما الـ20% الباقية تنتمي إلى مجموعات بشرية من منطقة الهلال الخصيب وبلاد الشام (نحو العراق، سوريا، تركيا وإيران الحديثة). هذه المعطيات تدعم نظريات أثرية قديمة حول تواصل حضارات مصر وبلاد ما بين النهرين منذ بدايات الزراعة وظهور الكتابة المسمارية والهيروغليفية، وتؤكد أن التبادل الحضاري شمل كذلك حركة الأشخاص، وليس فقط الأفكار والسلع.

ومن هنا تتسع زاوية التحليل، إذ يعطي ذلك مصداقية أكبر للرؤية التي ترى أن مصر لم تكن منعزلة عن محيطها، بل نتجت وتطوّرت عبر امتزاج وتفاعل مستمر مع جيرانها.


تكنيك علمي... وبداية ثورة في دراسات الجنوم الفرعوني

هذا الإنجاز لم يأت مصادفة، بل جاء نتيجة عمل جماعي استغل تقنيات ثورية في علم الجينات القديم مثل تقنية تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) والتسلسل المتوازي عالي الكثافة، التي تستخدم لاستنساخ وتحليل حتى أكثر المقاطع الجينية تفتتًا وضعفًا. وبتطوير أساليب دقيقة لترشيح العينات، استطاع الباحثون تعويض تحديات الطقس المصري القاسي والوصول إلى بيانات كانت في عداد المستحيل.

ومع نجاح هذه التجربة، أصبح واضحًا أن مصر تمتلك كنوزًا جينية دفينة لا زالت تنتظر الكشف. فإذا توفرت ظروف حفظ مناسبة—سواء بفعل الطبيعة أو عبر جهود العلماء—فإن رسم خريطة جينية شاملة لشعوب وادي النيل من مختلف العصور قد يصبح واقعًا قريبًا.

وبربط هذا مع الديناميكية المجتمعية لمصر، يتضح أن تدفقات الجينات الأجنبية لم تكن بمثابة غزوات طارئة، بل جزء من تفاعلات بشرية تدريجية حافظت على الخط الأساسي للأصول الداخلية مع انفتاح انتقائي على عناصر جديدة. وهذا ما يكسر الصور النمطية القديمة حول "انقطاعات" فجائية في تاريخ المصريين بسبب الغزاة.


حقائق جديدة تعيد رسم صورة المومياء المصرية

بالعودة إلى النقطة الجوهرية، تبيّن أن المصريين الأوائل لم يكونوا عزلاً عن المتغيرات الديموغرافية في الشرق الأدنى. بل يؤكد التحليل البيولوجي استمرارية سلالات مصرية من خلال تقنيات الدفن وشكل الجماجم ومفصلاتها، ما يدحض فرضيات لطالما رُوّج لها حول استيلاء قبائل أو قوى خارجية دفعت بحضارة وادي النيل إلى مسار جديد قسراً.

هذا الاكتشاف لا يُعد فقط تتويجًا لإنجاز علمي تقني، بل أيضاً حجر أساس لإعادة كتابة تاريخ هجرات وتفاعلات المجتمعات القديمة في شرق إفريقيا وغرب آسيا، لا سيما عند مقارنته بمراحل لاحقة شهدت احتكاكًا مع الهكسوس والنوبة والفرس والإغريق والرومان.

وصول الباحثين إلى هذا الجينوم يُمهد الطريق لمزيد من الدراسات الدقيقة لفهم تنوع سكان مصر القديمة عبر العصور، من خلال مقارنة أطرهم الوراثية بأثر الحكام الأجانب وفترات السلم والتعايش.


خلاصة المشهد: مصر القديمة بعيون الجينات

في المحصلة، يقدم هذا الاكتشاف نافذة مباشرة على هوية الإنسان المصري خلال فترة الملكية المبكرة، زمن بناء الأهرامات والتأسيس الأول للدولة المركزية. حيث يصبح الحمض النووي أداة لإزاحة الغموض عن سردية ظلت محصورة بين نصوص البرديات والأساطير. إنه يؤكد أن مصر كانت ملتقى حضارات وممراً للجينات بقدر ما كانت مهدًا للفكر والفن والسياسة.

ذو صلة

مع كل عينة جينية جديدة من مصر القديمة، سنقدر أكثر مدى عمق وتعقيد هذا الإرث البشري، وسنعرف كم نحن ممتنون لتلك الظروف الفريدة—وللعلم المعاصر—التي سمحت لصوت أحد هؤلاء القدماء بأن يعود من دهاليز الدهر ليروي لنا قصته الحقيقية.

ذو صلة