ذكاء اصطناعي

وداعًا لعمليات التجميل؟ بروتينات الدم قد تكون الحل الطبيعي لمقاومة الشيخوخة

محمد كمال
محمد كمال

4 د

تبين أن بروتينات نخاع العظم تستجيب لدم الشباب وتعزز نضارة البشرة في المختبر.

التجارب شملت استخدام "عضو على رقاقة" للتفاعل بين مصل دم الشباب ونموذج نخاع العظم.

أفرز نخاع العظم 55 بروتينًا، منها 7 حسنت انقسام الخلايا وإنتاج الكولاجين وكفاءة الميتوكوندريا.

الدراسة أجريت في بيئة مختبرية، ولا يزال التطبيق السريري بحاجة لمزيد من الأبحاث.

التقنيات المعتمدة على دراسة البروتينات قد تثري علاجات التجميل والعناية بالبشرة مستقبلًا.

إذا كنت ممن يعتقدون أن حكايات مصاصي الدماء وبحثهم عن دم الشباب مجرد خرافة، فقد ترغب بإعادة النظر في ذلك بعد نتائج دراسة ألمانية حديثة لفتت انتباه العلماء وعشاق حلول مكافحة الشيخوخة على حد سواء. الدراسة وجدت أن بروتينات يفرزها نخاع العظم استجابة لدماء الشباب يمكنها بالفعل إعادة النضارة والوظائف الحيوية لخلايا البشرة المتقدمة في العمر داخل المختبر. وكأننا أمام سحر بيولوجي حقيقي، ولكن هذه المرة بإثبات علمي.

بدأت فكرة أن دماء الشباب قد تحمل أسرار تجديد الشباب من قصص خيالية عن مصاصي الدماء، بل وانتقلت حتى أساطير من القرون الوسطى حيث قيل إن شخصية مثل الكونتيسة إليزابيث باثوري قد حرصت على الاستحمام في دماء الفتيات لإبقاء بشرتها شابة. مع ذلك، حديثنا اليوم يدور حول العلم المجرد والتقنيات الحديثة. حيث قرر فريق بحثي تابع لشركة Beiersdorf AG، المتخصصة في علوم العناية بالبشرة في ألمانيا، أن يختبروا مدى قدرة مصل دم الشباب على تجديد شباب البشرة البشرية في بيئة تجريبية متطورة تشبه الواقع بأكبر قدر ممكن.


التكنولوجيا الحديثة تفتح آفاقاً جديدة

وهنا تتضح النقلة من الأسطورة إلى التقنية؛ إذ طور العلماء نظاماً مبتكراً يعتمد على ما يُعرف بـ"عضو على رقاقة"، والذي يجمع بين نموذج جلدي اصطناعي ثلاثي الأبعاد ونموذج لنخاع العظم يحاكي ما تفعله خلايا الدم الجذعية ووظائفها المختلفة. استخدم الباحثون مصل دم من أشخاص أعمارهم دون الثلاثين وأشخاص تخطوا الستين، لمراقبة كيف سيتفاعل الجلد المتقدّم بالعمر مع هذا المصل عندما يكون أيضاً بجانب خلايا نخاع عظم حية.

وعند الحديث عن التجربة، وجد العلماء أن مصل الدم وحده – دون وجود خلايا نخاع العظم – لم يحدث فرقاً ملحوظاً في علامات الشيخوخة على البشرة. ولكن، بمجرد إضافة نموذج نخاع العظم مع الجلد وتعريضه لمصل دم الشباب، حدثت متغيرات مذهلة: ازداد انقسام خلايا الجلد، خفّت المؤشرات البيولوجية المرتبطة بالعمر، وتحسّن أداء الميتوكوندريا، المسؤولة عن تزويد الخلايا بالطاقة.

ومع هذه الملاحظة المحورية، يكتمل الرابط العلمي؛ إذ يحفز مصل دم الشباب نخاع العظم على إفراز بروتينات معينة بدت فعلياً قادرة على إعادة إحياء البشرة حسب القياسات الدقيقة داخل المختبر.


البروتينات المفتاح: سر التجديد

قلة يعرفون أن التقنيات المعتمدة على دراسة البروتينات (بروتيوميكس) أصبحت حجر أساس في الطب الحيوي الحديث. استغل الباحثون هذه التقنيات لتحليل ما أفرزته خلايا نخاع العظم خلال التجربة، ليكتشفوا 55 بروتيناً مرتبطاً بالعمر. الأروع أن سبعة من هذه البروتينات نجحت، عند اختبارها بشكل منفصل على خلايا بشرة بشرية متقدمة، في دفعها للانقسام بشكل أفضل، وتحفيز إنتاج الكولاجين الضروري لنضارة الجلد، وتحسين كفاءة الميتوكوندريا، وزيادة القدرة التحولية للخلايا – جميعها مؤشرات صريحة لتجددها.

من هنا يمكننا الربط بين التقنية الحيوية الحديثة والطموحات الكبيرة في مجالات العلاجات التجميلية ومقاومة الشيخوخة، حيث بات الأمل معقوداً على هذه المجموعة من البروتينات لتدخل مستقبلاً تركيب الكريمات المتطورة، وربما حتى العلاجات الحُقنية للوصول إلى بشرة أكثر شباباً في الأعمار المتقدمة.


حدود التجارب وأفق المستقبل

رغم نتائج التجربة اللافتة، من المهم توضيح أن الدراسة اقتصرت على أنظمة مختبرية متطورة؛ أي أن النماذج لم تعكس تماماً تعقيد أجسام البشر في الحياة الواقعية. مثلاً، استمر البحث لعدة أسابيع فقط، ولا يُعرف كيف سيتفاعل الجلد البشري مع تلك البروتينات على المدى الطويل. أضف إلى ذلك أن الفريق اضطر لإضافة عوامل نمو خارجية للحفاظ على حيوية نموذج نخاع العظم، وهو ما قد يؤدي لنوع من التشويش على النتائج، رغم ضبطهم للمتغيّرات بين دم الشباب وكبار السن في ظروف مماثلة.

ذو صلة

ومع أن الطريق لا يزال طويلاً قبل تبني هذا النهج سريرياً، فتحليل النتائج يدفع باتجاه ابتكار علاجات فردية تستفيد من نخاع عظم الشخص نفسه أو تقنيات هندسة الأنسجة لتحقيق تجديد أكثر فاعلية وأماناً. وفي نهاية المطاف، ينمو الأمل أن نستطيع مواكبة زحف الزمن بتقنيات علمية تمنح البشرة قدرة متواصلة علىالحفاظ على مرونتها وشبابها.

وباختصار، فإن رحلة البحث عن شباب دائم للبشرة لم تعد مجرد حلم أو حكاية من قصص السحر القديمة. العلم الحديث يضع اليوم اللبنات الأولى لتقنيات واعدة بذلك، عبر فهم دور بروتينات دم ونخاع العظم في تجديد شباب خلايا الجلد. مستقبل الجمال والشباب قد يكون أقرب مما نتوقع... وبلغة العلم، كل اكتشاف جديد يقرّبنا خطوة من أسرار النضارة الدائمة.

ذو صلة