من قلب الخلية… اكتشاف قد يغير طرق علاج السرطان مستقبلاً

3 د
اكتشف باحثو جامعة روكفلر دور "الغلوتاثيون" في انتشار سرطان الثدي للرئتين.
تعمل البروتينات الناقلة مثل "SLC25A39" على تسهيل دخول الغلوتاثيون للميتوكوندريا، مما يعزز النقل.
تظهر النتائج زيادة الغلوتاثيون بالفئران المسرطنة في الرئة مقارنة بالخلايا الأصلية.
تطوير علاجات تستهدف البروتينات الناقلة قد يحسن فرص البقاء ويقلل الآثار الجانبية.
الفهم العميق لهذه البروتينات يعزز تطوير علاجات تخصصية وسريعة ضد الانتشار السرطاني.
هل تساءلت يوماً عن السبب الحقيقي وراء قدرة بعض السرطانات على الانتشار في الجسم بينما تبقى أنواع أخرى محدودة في مكانها الأصلي؟ في خطوة بحثية رائدة، توصل علماء من جامعة روكفلر إلى اكتشاف قد يغير فهمنا لسرطان الثدي، وذلك بتحديد مركب حيوي يُدعى الغلوتاثيون داخل الميتوكوندريا (محطة الطاقة في الخلية) كعنصر أساسي يمكّن أورام الثدي من الانتقال إلى الرئتين.
في مقدمة النقاش العلمي حول أسباب الوفاة الناتجة عن السرطان، تبرز مسألة الانتشار أو ما يعرف علمياً بـ"النقائل"، حيث يعزى معظم الوفيات إلى انتقال الخلايا الخبيثة من الورم الأصلي إلى أعضاء أخرى بدلاً من نمو الورم ذاته. هذه الظاهرة دفعت فرقاً بحثية دولية لفك شفرة كيف ولماذا تكتسب الخلايا السرطانية القدرة على التنقل والاستقرار في أماكن جديدة بالجسم.
ولإضفاء مزيد من الوضوح على الصورة، قام فريق روكفلر بقيادة البروفيسور كيفانش بيرسوي باستخدام تقنية متقدمة لرصد التغيرات الكيميائية الدقيقة داخل مكونات الخلية، وبالأخص الميتوكوندريا. النتائج كشفت ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات مركب "الغلوتاثيون" لدى الخلايا السرطانية التي استقرت في نسيج الرئة مقارنة بالخلايا التي بقيت في الورم الرئيسي. وفي لغة الخلية، يمثل الغلوتاثيون درعاً مضاداً للأكسدة يُستخدم عادة في الدفاع ضد الإجهاد الخلوي والسموم.
دور بروتين ناقل الغلوتاثيون SLC25A39
ولأن المركبات الكيميائية تحتاج لمن يساعدها على الدخول والخروج من الميتوكوندريا، توجهت الأنظار إلى "SLC25A39"، بروتين ناقل يعمل كممر يسمح بدخول الغلوتاثيون إلى محيط الميتوكوندريا. الأبحاث أوضحت أن توقف هذا البروتين يعني تقليل قدرة الخلايا على الانتقال، وكأنك تغلق الباب في وجه الخلية وتمنعها من أخذ زادها قبل المغامرة في الرحيل.
وذلك يضعنا أمام إشارة مهمة إلى أن العملية ليست مجرد زيادة في مركب مضاد للأكسدة، ولكن كأن الخلية تستخدم الغلوتاثيون لإطلاق إشارة إلى عوامل وراثية، أهمها بروتين ATF4، الذي يمنح الخلية قوة تحمل غير عادية في مواجهة الإجهاد الناتج عن قلة الأوكسجين في بيئتها الجديدة داخل الرئة. التوقيت هنا بالغ الأهمية: تظهر الحاجة لمخزون الغلوتاثيون بقوة أثناء بداية الاستيطان في العضو الجديد، حيث يكون على الخلايا السرطانية التكيف السريع أو مواجهة الفناء.
وهنا تبرز أهمية نتائج هذا الكشف الجديد. إذ أن الأبحاث السابقة اكتفت بالإشارة إلى أدوار متنوعة لبعض الأحماض الأمينية والمركبات مثل اللاكتات والبيروفات في أثنيات مختلفة من الانتشار. لكن للمرة الأولى، ينجح العلماء في وضع إصبعهم على مركب بعينه في الميتوكوندريا يسهم بشكل حاسم في نجاح النقائل.
انعكاسات إكلينيكية محتملة ومستقبل البحث
استكمالاً لهذا الخط المعرفي الجديد، قام الفريق البحثي بتحليل عينات من سرطان الثدي النقيلي لدى مريضات انتقل المرض لديهن إلى الرئة. المدهش أنهن أظهرن مستويات عالية من البروتين الناقل SLC25A39، كما ارتبط ارتفاعه بتراجع فرص البقاء على قيد الحياة. إن توجيه العلاج نحو تثبيط عمل هذا البروتين قد يفتح لاحقاً الباب أمام طب شخصي أكثر أماناً وفعالية، بعيداً عن الآثار الجانبية للعلاجات التي تستهدف كل أنشطة الخلية بالتساوي.
وهذا يرتبط بشكل وثيق مع التوجه العالمي لتعميق الفهم حول التفاصيل الدقيقة في العمليات الاستقلابية، حيث لم يعد الأمر يتعلق برفع أو خفض معدل مركب كيميائي عام، بل بمعرفة أين ومتى تحديداً يؤثر وجود هذا المركب داخل حجرات الخلية.
ختامًا، يحمل هذا الكشف الأمل لآلاف المرضى عبر احتمال تطوير علاجات تخصصية تستهدف المركبات والبروتينات المحددة المسؤولة عن نجاح السرطان في الهجرة والانتشار. إن فهم العلاقة بين الميتوكوندريا، الغلوتاثيون، وأنظمة الإشارات في الخلية يعيد رسم خارطة الطريق نحو علاجات ثورية وأكثر دقة في مواجهة سرطان الثدي وغيره من الأورام العدوانية. قد يبدو الطريق طويلاً، لكن معرفة أهداف واضحة مثل SLC25A39 تسرّع بلا شك خطوات العلماء نحو علاجات أكثر فعالية وإنسانية.