أقدم حمض نووي في التاريخ يظهر في مكان مستحيل علميًا!

3 د
نجح علماء بجامعة توبنغن باستخراج حمض نووي لحصان منقرض في ألمانيا.
الاكتشاف تم في موقع شونينغن الأثري، المشهور برماح العصر الحجري.
العظام تعود إلى حصان إيكووس موسباخنسيس من العصر الجليدي الأوسط.
يشير الاكتشاف إلى صيد منسق قديم بين الإنسان والحصان.
الحمض النووي يُعتبر الأقدم المكتشف في بيئة مفتوحة حتى الآن.
في إنجاز علمي غير مسبوق، نجح فريق من جامعة توبنغن الألمانية في استخراج الحمض النووي لحصان منقرض عاش قبل أكثر من 200 ألف سنة في موقع “شونينغن” شمالي ألمانيا. وبحسب الدراسة المنشورة في مجلة «نيتشر إيكولوجي آند إيفولوشن»، فإن هذا الاكتشاف يعيد رسم حدود ما كنا نعرفه عن إمكانية بقاء المادة الوراثية في ظروف مفتوحة لا توفر حماية من العوامل البيئية.
موقع أثري يفاجئ العلماء من جديد
عرف موقع شونينغن منذ تسعينيات القرن الماضي باكتشاف رماح خشبية من العصر الحجري، اعتُبرت دليلاً على مهارة الصيادين الأوائل من نوع *هومو هايدلبرغنسيس* أو *نياندرتال*. لكن المفاجأة الجديدة لم تكن في الأدوات هذه المرة، بل في عظام خيول عثر عليها بين طبقات طينية غنية بالكربونات، حفظت الحمض النووي في حالته الأولية تقريباً. وهذا يربط بين تميز الموقع الأدواتي قديماً وبين قدرته الاستثنائية على حفظ المادة الوراثية اليوم.
إعادة رسم شجرة تطور الخيول
التحليل الجيني كشف أن العظام تعود إلى نوع منقرض يُعرف باسم *إيكووس موسباخنسيس*، عاش في أوروبا خلال العصر الجليدي الأوسط. وتشير المقارنات الجينية إلى أنه انفصل عن أسلاف الأحصنة الحديثة قبل نحو 800 إلى 900 ألف عام، في وقت شهدت فيه الكرة الأرضية موجات هجرة واسعة عبر جسر بيرنغ بين أمريكا الشمالية وأوراسيا. وبهذا يجمع الاكتشاف بين علم الوراثة القديمة وعلم الحفريات، موفراً فهماً أعمق لمسار تطور الفصيلة الخيلية.
علاقة قديمة بين الإنسان والحصان
تبيّن أن بقايا الخيول المكتشفة كانت في مكان واحد مع الرماح الخشبية، ما يشير إلى عملية صيد منسقة على ضفاف بحيرة قديمة. وذكرت الباحثة آريانا فاينغارتن من جامعة توبنغن أن هذا "يوفر دليلاً مدهشاً على العلاقة الوثيقة بين الإنسان والحصان قبل آلاف السنين من استئناسه". من المرجح أن الصيادين قاموا بذبح الخيول في الموقع نفسه قبل أن تُدفن بسرعة في الطين، الأمر الذي حمى عظامها وأحماضها النووية من التلف. هذه الصورة تربط بين السلوك البشري المبكر واستراتيجيات البقاء واستخدام الأدوات بطريقة أكثر تعقيداً مما كان يُعتقد.
تطور البحث في علم الوراثة الأثرية
الحمض النووي المكتشف يُعد الأقدم الذي يُستخرج من موقع مفتوح، متجاوزاً الرقم السابق المسجل لفيل أوروبي عمره 240 ألف عام. هذا ما أكده الباحث كوزيمو بويست، الذي أشار إلى أن النتائج "تثبت أن بقاء الحمض النووي ممكن حتى في بيئات لا تبدو مناسبة، كالهواء الطلق والمناخ المعتدل". ومن المثير أن موقع شونينغن، الذي كان يُعتقد أنه عديم الفائدة في دراسات المادة الوراثية، بات اليوم نموذجاً لإعادة تقييم مواقع أخرى قد تحمل مفاجآت مماثلة.
ورغم الجدل المستمر حول عمر الطبقات الجيولوجية بين 200 و360 ألف سنة، إلا أن أهمية الاكتشاف تبقى في إظهار قدرة العلم الحديث على استخراج بصمات الحياة الغابرة خارج الكهوف والمتجمدات الدائمة. إنه كشف يفتح باباً جديداً في علم *الحمض النووي القديم* ويدفع الباحثين إلى إعادة النظر في حدود ما يمكن الحفاظ عليه عبر الزمن.
بهذا، لا يمثل اكتشاف حصان شونينغن مجرد فصل جديد في قصة تطور الخيول، بل شهادة على براعة العلم في إعادة إحياء ذاكرة الحياة من أعماق الطين والصمت الذي دام مئات الآلاف من السنين.









