ذكاء اصطناعي

الأرض البدئية لم تختفِ تمامًا: نوى كيميائية نجت من الذوبان الكوني

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف علماء آثارًا كيميائية تعود إلى الأرض البدائية منذ 4.

5 مليار سنة.

وجدت الدراسة نظائر بوتاسيوم مميزة في الصخور القديمة من جرينلاند وكندا وهاواي.

يتعلق الاكتشاف بفهم تكوين النظام الشمسي ومراحل بناء الكواكب الأولى.

أظهرت العينات نقصًا في نظير "بوتاسيوم‑40" يدل على بقايا الأرض الأولية.

النماذج العلمية تشير إلى أن الاصطدامات القديمة لم تدمر كل مواد الأرض البدائية.

في اكتشاف قد يغيّر فهمنا لتاريخ كوكبنا، أعلن باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وجامعات دولية عن رصد آثار كيميائية هي الأولى من نوعها يُرجَّح أنها تعود إلى المرحلة الأولى التي تشكلت فيها الأرض قبل تصادمها الكوني الهائل الذي صاغ كوكبنا بشكله الحالي.

تُشير الدراسة، المنشورة في مجلة *نيتشر جيوساينس*، إلى أن بعض الصخور القديمة من جرينلاند وكندا وهاواي تحتفظ بتوقيع نظائري فريد من نوعه للعنصر الكيميائي البوتاسيوم، وهو ما يؤكد وجود أجزاء محفوظة من مادة "الأرض الأولى" التي سبقت الاصطدام الكوكبي قبل 4.5 مليار عام.

يمتد هذا الاكتشاف ليمنح العلماء نافذة نادرة على المراحل الأولى من تكوين النظام الشمسي المليء بالغبار والغازات التي التحمت لتكوّن الكواكب الأولى.

وهذا يربط بين قصة النشوء الصغيرة هذه وبين فهمنا الأوسع لبناء الكواكب في الفضاء المبكر.


البوتاسيوم كمفتاح لفهم الماضي السحيق


في تفاصيل التحليل، وجد الباحثون خللاً دقيقاً في نسب نظائر البوتاسيوم، وتحديداً نقصاً في النظير "بوتاسيوم‑40"، داخل عينات الصخور العميقة. هذا الخلل لا يمكن تفسيره عبر العمليات الجيولوجية الحديثة أو عبر الصدمات النيزكية اللاحقة، ما يعني أن هذه الصخور تحتوي على بقايا أصلية تعود إلى "الأرض البدائية".

تشرح البروفيسورة نيكول ني من قسم علوم الأرض والكواكب بمعهد ماساتشوستس: "نعتقد أننا أمام أول دليل مباشر على بقاء مواد من الكوكب الأولي الذي تكوّنت منه الأرض الحديثة. إنه أشبه بلمس بقايا من زمن ما قبل الاصطدام الكبير".

وتوضح الدراسة أن فريق البحث استخدم أجهزة تحليل كتلي فائقة الدقة لقياس نسب النظائر الثلاثة للعنصر بدقة متناهية، فكانت النتيجة غير مسبوقة مقارنة بأي عينة أرضية معروفة.

وانطلاقاً من هذه النتائج، يتضح أن مادة الأرض الأولى لم تندثر كلياً، بل ما زالت أجزاء ضئيلة منها كامنة في أعماق القشرة والوشاح.

وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى التساؤل حول ما إذا كانت هذه القطع المتناثرة تمثل دليلًا على مراحل تكوين الكواكب الأخرى.


أثر الاصطدامات القديمة على كيمياء الكوكب


تُرجّح النماذج العلمية أن كوكباً بحجم المريخ اصطدم بالأرض الفتية خلال أول مئة مليون سنة من عمر النظام الشمسي، وهو الحدث الذي أذاب باطن الكوكب وأعاد خلط مكوناته ليظهر كوكب الأرض كما نعرفه اليوم. غير أن نقص نظير البوتاسيوم‑40 المكتشف يشير إلى أن بعض المواد لم تتأثر بتلك العملية بالكامل، وبقيت على حالها منذ نشأة الكوكب.

أجرى الفريق أيضاً محاكاة رقمية لعمليات الاصطدام تلك لمعرفة كيف يمكن أن تتغير نسب النظائر عبر الزمن، وأظهرت النتائج أن تركيبة الصخور الحديثة أعلى قليلاً في محتوى النظير النادر من العينات القديمة، مما يعزز فكرة أن الأخيرة تمثل بقايا أصلية.

وهذا يعيدنا إلى نقطة البداية في رحلة العلم نحو تحديد اللبنات الأولى للأرض، وربما للمجموعة الشمسية بأكملها.


ما زالت قصة الأصل ناقصة


على الرغم من أن الباحثين درسوا أنواعاً مختلفة من النيازك للمقارنة، فإنهم لم يعثروا على أي منها يمتلك التوقيع الكيميائي ذاته المكتشف في العينات الأرضية. وهذا يعني أن مصدر هذه المواد القديمة لا يزال لغزاً وأن قائمة النيازك المعروفة ربما لا تضم جميع المكونات التي شكلت كوكبنا.

تقول ني: "كنا نعتقد أن خلط تركيبات النيازك المختلفة يمكن أن يوضح أصل الأرض، لكن من الواضح الآن أن هناك مواد مفقودة لم نعثر عليها بعد".

ذو صلة

في ضوء هذا الاكتشاف، يبدو أن قصتنا مع أصل الكوكب ما زالت تُكتب، قطعة بعد أخرى، في معامل الجيولوجيا ومختبرات تحليل النظائر حول العالم. ومع كل اكتشاف جديد، نقترب خطوة من فهم المزيج الأولي الذي أنتج كوكبنا المزدهر اليوم.

وهكذا، يُلهمنا هذا الاكتشاف أن الأرض ما تزال تخفي أسرار بدايتها في أعماقها، تنتظر أن تُفك رموزها بدقة العلم وشغف البحث.

ذو صلة