ذكاء اصطناعي

الثلج ليس بارداً كما تظن… إنه مولد كهربائي متخفي!

محمد كمال
محمد كمال

4 د

اكتشف علماء أن الجليد يولد الكهرباء عند التعرض للإجهاد كالانحناء أو الضغط.

توصلت دراسة في كتالونيا إلى أن الجليد يولد كهرباء بمختلف درجات الحرارة.

هذه الظاهرة قد تفسر الشحنات الكهربائية في السحب الرعدية واستخدامات صناعية مستقبلية.

الجليد يظهر خواص كهربية مرنة تحت درجات حرارة منخفضة جداً.

هل فكرت يوماً أن مكعبات الثلج التي تضعها في مشروبك البارد قد تخبئ في جزيئاتها خاصية خارقة للطبيعة؟ اكتشف علماء فيزياء حديثاً أن الجليد، بشكله العادي الذي نعرفه جميعاً سواء على قمم الجبال أو في ثلاجات المنازل، يمتلك قدرة رائعة على توليد الكهرباء عندما يتعرض للانحناء أو الضغط أو حتى الالتواء. ويبدو أن الأمر ليس مجرد صدفة فيزيائية، بل ينبع من خاصية معروفة علمياً باسم "الاستجابة المرنة الكهربية"، وهي تفتح الأبواب أمام تطبيقات تكنولوجية مذهلة وتغير نظرتنا للجليد من مادة خاملة إلى مادة نشطة ومؤثرة في الظواهر الطبيعية.


مفاجأة علمية بين يدي المختبر

في دراسة حديثة نشرتها مجلة Nature Physics في نهاية أغسطس، أجريت تجربة مدهشة في معهد العلوم النانوية في كتالونيا بإسبانيا. اعتمد الباحثون على أخذ قطعة جليد، محاصرة بين لوحين كهربائيين، ثم بدء إخضاعها للانحناء، مع التأكد أن أي شحنات كهربائية تظهر ليست ناتجة عن تأثير كهربي تقليدي مثل الخاصية الكهروضغطية المعروفة في بلورات أخرى. المثير للدهشة أن الجليد ولّد كهرباء بالفعل عند كل درجات الحرارة التي جرت فيها التجربة. الأكثر إدهاشاً أن الفريق لاحظ تشكل طبقة رقيقة "كهربية انحرافية" على سطح قطعة الجليد عند درجات حرارة منخفضة جداً (تحت 113 درجة مئوية تحت الصفر)، تشبه في سلوكها المغناطيس الذي تتغير أقطابه بوجود مجال خارجي.

هذا يدفعنا للتساؤل عن سبب هذه الظاهرة، خاصة أن الجليد كان يُعتبر دائماً مادة غير قادرة على توليد تيار كهربائي بالطريقة الكهروضغطية، بسبب ترتيب جزيئات الماء فيه بشكل عشوائي يمنع بناء مجال كهربائي صافي.

بناءً على ذلك، يبدو أن العلماء شرعوا في دراسة "الأنواع المختلفة من الكهرباء" كي يفهموا كيف يستطيع الجليد أن يتحول لمصدر طاقة كهربائية بشكل مرن وفريد. وهذا يوسع فهمنا للخواص الكهربائية للجليد ويمنحنا فرصة لإعادة النظر في استعمالات المواد الطبيعية المحيطة بنا.


الجليد والظواهر الطبيعية: بين التكنولوجيا والعواصف الرعدية

هذه النتائج تفتح المجال لتفسير ألغاز كنا نراها في الطبيعة دون فهم كامل، مثل كيفية تشكل الشحنات الكهربائية الهائلة داخل السحب الرعدية بسبب تصادم بلورات الجليد المشحونة. ما كشفه الباحثون هو أن الشحنة الكهربائية الناتجة عن انحناء الجليد في المختبر تشبه كثيراً مقدار الطاقة الكهربائية الناتجة عن احتكاك الجليد في الغلاف الجوي. أي أن الخاصية المرنة الكهربية قد تملك دورًا رئيسياً في ولادة البرق أو تبرير الظواهر الكهربائية الشاذة التي ترافق العواصف.

انتقالاً من الطبيعة إلى الصناعة، يشير الفريق البحثي إلى أن هذه الظاهرة تضع الجليد في مصاف مواد أخرى قوية من الناحية الكهربية مثل ثاني أكسيد التيتانيوم والمستخدمة في تصنيع الحساسات والمكثفات الإلكترونية المتقدمة. تخيل أن مادة بسيطة مثل الجليد قد تجد طريقها قريباً إلى تقنيات جديدة في توليد الطاقة أو حتى في أجهزة الاستشعار المستقبلية.

من هذا المنطلق، تظهر أهمية هذا الكشف في ربط الأساسيات العلمية بالتطبيقات العملية، وتجعلنا نتساءل عن كم الأسرار التي ما زالت تنتظرنا في عالم المواد الطبيعية البسيطة.


الكهربية المرنة: وجه آخر للجليد

ما يميز هذا الكشف أن الجليد لا يولد الكهرباء عبر خاصية واحدة فقط؛ بل عند درجات حرارة منخفضة للغاية يظهر سلوك "كهربي انحرافي"، أي قدرة الطبقة السطحية للجليد على عكس اتجاه الاستقطاب الكهربي بتأثير مجال خارجي. أما عند درجات حرارة معتدلة حتى نقطة الانصهار (صفر درجة مئوية)، فتظهر خاصية "الاستجابة المرنة الكهربية". بجمع هاتين الظاهرتين تبرز أمامنا صورة جديدة للجليد كمادة متعددة الاستخدامات الكهربية حسب الحرارة والظروف الفيزيائية.

هذا التنوع النادر في الاستجابة يجعل الجليد مثالاً على مادة قد تتطور إلى بدائل رخيصة وصديقة للبيئة في تقنيات الطاقة، أو تساهم في بناء أجهزة استشعار تعتمد على تفاعلات طبيعية بدل المواد الصناعية المعقدة.

ذو صلة

ومع ذلك، لم يُغلق الباب بعد أمام مزيد من البحث العلمي والتدقيق في هذه الخواص الجديدة، ما يشير إلى بداية عصر جديد من اكتشاف أسرار المواد الشائعة من حولنا.

في النهاية، هل يمكن للثلج البسيط أن يغير قواعد اللعبة في عالم الكهرباء والتكنولوجيا؟ ها هو العلم، كعادته، يبرهن لنا أن حتى أبسط المواد قد تخبئ في جعبتها عجائب لم يخطر لنا يوماً اكتشافها. وفهمنا المتجدد للجليد ليس إلا خطوة أولى في طريق طويل لفهم أسرار الكون من حولنا، فربما يحمل لنا المستقبل تطبيقات ثورية تبدأ من مكعب ثلج صغير وتصل حتى السماء المشحونة بالبرق.

ذو صلة