ذكاء اصطناعي

الصين تطلق 144 قمرًا في خطة غامضة تغيّر شكل الفضاء إلى الأبد!

محمد كمال
محمد كمال

4 د

أعلنت شركة تقنية صينية عن مشروع لإطلاق 144 قمراً لمراقبة الفضاء حول الأرض.

ستبدأ الشركة بإطلاق قمرين تجريبيين في أبريل، مع 12 قمرًا إضافيًا بحلول 2026.

يهدف المشروع لتحليل المدار والتنبؤ بالمخاطر التصادمية، مدعومًا بتقنيات متقدمة.

تسعى الصين لتنسيق حركة المرور الفضائية بدلاً من الاعتماد فقط على المبادرات الحكومية.

يُظهر البرنامج تحول الصين نحو تنظيم وإدارة حركة الأقمار العالمية بشكل أكثر فاعلية.

في خطوة تعكس طموح الصين الصاعد في مجال المراقبة الفضائية، أعلنت شركة صينية ناشئة في قطاع الصناعات الجوية والفضائية عن مشروع ضخم يهدف إلى إنشاء كوكبة من الأقمار الاصطناعية لمتابعة كل ما يجري في مدار الأرض المنخفض، من أقمار تشغيلية إلى حطام فضائي.

تستعد شركة **جيوفيس إنسايتر للتكنولوجيا** (Geovis Insighter Technology Co. Ltd.) لإطلاق شبكة **لرصد الوعي بالوضع الفضائي (SSA)**، وهي منظومة هدفها متابعة حركة الأجسام المدارية والتنبّه للازدحام المتزايد في الفضاء القريب من الأرض. وبحسب ما نقلته تقارير تقنية متخصصة، فإن المشروع يمثل خطوة نوعية ضمن جهود الصين لتأمين بيئة فضائية أكثر أمانًا وشفافية مع تزايد عدد الأقمار التجارية مثل «ستارلينك» و«وان ويب».

وهنا يبرز التحول في توجهات الصين من الاعتماد الكامل على البرامج الحكومية إلى إشراك القطاع الخاص في خدمة السوق العالمية للبيانات المدارية.


مراقبة دقيقة للأرض وما حولها

تعتزم الشركة بناء **كوكبة مؤلفة من 144 قمراً اصطناعياً**، سيُخصص كل واحد منها لرصد وتتبع الأجسام في المدار القريب. ومن المقرر أن تنطلق أول دفعة مكوّنة من قمرين تجريبيين في أبريل المقبل، على أن يتبعها 12 قمراً آخر مع نهاية عام 2026. وأوضح نائب الرئيس التنفيذي للشركة، **دان لوه**، خلال **المؤتمر الدولي للملاحة الفضائية** في سيدني، أن هذه الأقمار ستحلق على ارتفاع يقارب **500 كيلومتر**، مع قدرة على متابعة الأجسام الواقعة بين **300 و 2000 كيلومتر** فوق سطح الأرض.

وأضاف لوه أن المرحلة التالية ستشهد تشغيل أقمار في مدار منخفض جداً **(VLEO)** لرصد أدق، رغم التكلفة العالية في الوقود نتيجة لموقعها القريب من الغلاف الجوي. هذا الخيار التقني، بحسبه، يمنح الصين تفوقاً في مجال **تحليل المدار والتنبؤ بالمخاطر التصادمية**.

وانطلاقاً من هذا الطموح التقني، من المهم فهم الخلفية التي دفعت الشركة إلى هذا المستوى من الجرأة.


من البرمجيات إلى الفضاء المفتوح

تأسست جيوفيس إنسايتر عام 2016، وجرى إدراجها رسمياً في **بورصة بكين** مطلع 2025. قبل ذلك كانت تعمل على تطوير **برامج إدارة الوعي الفضائي** لصالح الحكومة الصينية، وهو ما منحها قاعدة بيانات وخبرة تحليل مكنتها من التوسع إلى الفضاء الفعلي.

وتسعى الشركة حالياً لتوفير خدماتها للقطاع التجاري، فتُقدَّم البيانات المدارية لشركات الأقمار الخاصة التي تواجه ازدحام الفضاء اليومي. هذا التوجه يجسد **التحول الصناعي الصيني نحو التعاون بين القطاعين العام والخاص** في تنظيم حركة المدار وإنذار الاصطدامات، ويؤكد أن الصين لم تعد تكتفي بدور المراقب، بل انتقلت إلى دور **منسق الحركة الفضائية** عالمياً.

وهذا يقودنا إلى البعد السياسي والتنظيمي للمشروع الجديد.


نحو نظام وطني لإدارة حركة الفضاء

في الجلسة ذاتها من المؤتمر، تحدثت **يوتشي شين**، الباحثة في **معهد بكين للتكنولوجيا** والزميلة الزائرة في **جامعة لايدن** الهولندية، عن أن الصين تعمل على بناء **نظام وطني لإدارة المرور الفضائي** يرتكز على الانسجام مع المبادرات الدولية بدل صياغة معاهدات جديدة. وشددت على أن تحقيق الشفافية وتبادل المعلومات بين الأنظمة الوطنية هو المفتاح لبناء **الثقة والتشغيل البيني** بين جميع مشغلي الأقمار حول العالم.

ويكتسب حديث شين أهمية خاصة لأنه يتقاطع مع نجاحات الصين الأخيرة في **إدارة الحطام الفضائي**.


ابتكارات في التعامل مع الحطام والتحكم المداري

تجربـة الأقمار **شيجيان‑21**، التي استطاعت سحب القمر الميت **بيدو‑2 G2** إلى ما يُعرف بـ«مدار المقبرة»، أظهرت أن الصين قادرة على تنفيذ مهام **الخدمة المدارية وتنظيف الفضاء** دون التسبب في أضرار جانبية. ويُعتبر هذا المثال نموذجاً لطموحات بكين في بناء قدرة تقنية مستدامة تحافظ على أمن المدار وتقلل من النفايات الفضائية.

لكن رغم هذا التقدم، لا تزال هناك مناطق ضبابية تتعلق بحدود الاستخدام المزدوج للتقنيات، إذ قد تُفسَّر المناورات ذاتها على أنها **مدنية أو عسكرية** في آن واحد، وهو ما يجعل وضع قواعد واضحة لتبادل البيانات وتحديد السلوكيات المدارية ضرورة ملحة.

ومن هنا تبرز الأهمية الاستراتيجية للمراقبة التي تسعى إليها جيوفيس إنسايتر ضمن رؤيتها الأشمل.

ذو صلة

مع تدشين هذه الكوكبة الجديدة، تمضي الصين بخطى متسارعة نحو دور محوري في **إدارة حركة المرور الفضائية**، في وقت يزدحم فيه المدار بآلاف الأقمار والمهمات العلمية والتجارية. المشروع لا يمثل مجرد استثمار تجاري، بل إعلان عن دخول مرحلة جديدة من **الحوكمة الفضائية**، حيث يصبح مدار الأرض ساحة أكثر تنظيماً وشفافية بفضل نظم المراقبة المتقدمة.

وفي الخاتمة، يمكن القول إن برنامج الأقمار الصينية الـ144 ليس مجرد طموح تقني بل علامة على تحوّل استراتيجي في فهم الفضاء كـ«بنية تحتية عالمية» تحتاج إلى نظام مراقبة مشترك، وقد تكون الصين بهذه الخطوة على أعتاب قيادة هذا النظام خلال العقد القادم.

ذو صلة