ذكاء اصطناعي

العيوب أصبحت سر القوة… العلماء يكتشفون أن كسر الجرافين يجعله خارقًا!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

نجح العلماء في تطوير غرافين بعيوب متعمدة لمنحها خصائص جديدة متطورة.

يعتمد النهج الجديد على جزيء أزوبيرين لخلق هذه العيوب في الغرافين.

توفر العيوب قدرة الغرافين على التحفيز الكيميائي والكشف عن الغازات.

حقق التعاون الدولي بين المملكة المتحدة وألمانيا والسويد تقدمًا في دراسة العيوب.

قد يسمح هذا الابتكار بتصميم مواد مخصصة لتطبيقات تقنية متقدمة.

في خطوة غير تقليدية، نجح باحثون بريطانيون وأوروبيون في تطوير طريقة جديدة لإنتاج الغرافين – تلك المادة الكربونية التي تشتهر بخفتها وصلابتها الفائقة – عبر إدخال **عيوب هيكلية متعمّدة** تمنحها خصائص لم تكن ممكنة من قبل. هذا الابتكار قد يمهّد الطريق لتطبيقات متطورة في مجالات **المستشعرات، والإلكترونيات الدقيقة، والبطاريات الذكية**.

اعتمد فريق من جامعة نوتنغهام، وجامعة وُروِك، ومركز ضوء الألماس “Diamond Light Source” في أكسفوردشاير، على جزيء يُدعى **أزوبيرين (Azupyrene)** كمكوّن أساسي للنمو الأحادي الخطوة لأفلام غرافين تحتوي على هذه العيوب. الجزيء بطبيعته يمتلك هندسة مشابهة لنمط الخلل الذي أراد الباحثون إدخاله في بنية المادة الكربونية. وقد نُشرت نتائج البحث في مجلة **Chemical Science**، لتفتح الباب أمام نقاش واسع حول مفهوم “العيوب المصممة” في المواد المتقدمة.

وهذا يربط مباشرة بين التوجه الجديد في تصميم المواد وبين رغبة العلماء في تجاوز حدود “الكمال الذري” الذي يجعل الغرافين في صورته النقية غير مثالي للتطبيقات الإلكترونية الحساسة.


عندما تصبح العيوب ميزة

يوضح البروفيسور **ديفيد دنكان** من جامعة نوتنغهام أن الفريق أراد عمداً كسر مثالية الغرافين، إذ يقول إن المادة “رائعة لكنها أحياناً مثالية أكثر مما ينبغي”، بمعنى أنها لا تتفاعل بسهولة مع المواد الأخرى ولا تملك الخصائص الإلكترونية المطلوبة في صناعة **أشباه الموصلات**. ومن خلال إدخال العيوب – وهي عبارة عن حلقات كربونية من خمسة وسبعة ذرات بدلاً من بست ذرات – تزداد قدرة الغرافين على الالتصاق بالأسطح وعلى التحفيز الكيميائي والكشف عن الغازات، ما يجعله أكثر فاعلية كمادة **تحفيزية** أو في تصنيع **حساسات الغاز**.

وتقود هذه الفكرة إلى الأساس البنيوي للمادة، حيث تأتي العيوب لتغيّر تفاعل الذرات مع محيطها في مستوى النانومتر، وهو ما يمنح الغرافين “شخصية جديدة” تجمع بين القوة والمرونة الإلكترونية.


تحكّم دقيق وتعاون دولي

استطاع الباحثون عبر ضبط حرارة النمو السيطرة على عدد العيوب في كل طبقة من طبقات الغرافين، لخلق نسخ مختلفة يمكن اختبارها في التطبيقات المستقبلية. كما أثبتت فرق من **معهد الغرافين في مانشستر** أن بإمكانهم نقل هذه الأفلام المعيبة إلى أسطح متعددة مع الحفاظ على سلامة البنية الجديدة، وهي خطوة ضرورية لدمجها في الأجهزة الإلكترونية.

ويمتد البعد الدولي للبحث ليشمل تعاوناً واسعاً بين مختبرات في **ألمانيا والسويد والمملكة المتحدة**، حيث استخدم العلماء أدوات تحليل متقدمة مثل **المجهر الذري** و**التحليل الطيفي** و**المحاكاة الحسابية** عبر الحاسوب الفائق البريطاني ARCHER2. هذه التقنيات مكّنتهم من رؤية البنية الدقيقة للعيوب وفهم كيفية تأثيرها على الخصائص الكيميائية والإلكترونية للمادة.

وهنا تتضح أهمية التعاون العلمي العالمي في مواجهة تحديات المواد النانوية، إذ إن كل مؤسسة من هذه الشبكة البحثية أضافت بُعداً خاصاً من الخبرة لإكمال الصورة الكاملة.


آفاق واعدة لمستقبل المادة السوداء

يؤكد البروفيسور **راينهارد ماورر** من جامعة وُروِك أن المنهجية الجديدة تتيح إدخال العيوب في الغرافين بطريقة أكثر تحكماً ودقة من أي وقت مضى، مما يعني إمكانية **تصميم مواد مخصصة** حسب الحاجة، سواء لتوصيل الكهرباء بشكل انتقائي أو لتحسين الخواص المغناطيسية والضوئية. ومن جهته، يرى الدكتور **تين-لين لي** من مركز ضوء الألماس أن الإنجاز يبرز قيمة التعاون متعدد التخصصات، حيث “لا يمكن لأي تقنية واحدة أن تكشف وحدها أسرار تشكّل العيوب الذرية بهذه الدقّة”.

يبدو أن ما كان يُعدّ في السابق “نقطة ضعف” أصبح اليوم أداة لتحسين الأداء، وفتح نافذة جديدة نحو جيل من المواد الذكية المصنوعة على المقاس.

ذو صلة

خلاصة

يضع هذا الابتكار الغرافين على أعتاب مرحلة جديدة عنوانها “المادة غير الكاملة الكاملة”، إذ استطاع العلماء بفضل العيوب المقصودة أن يصنعوا غرافينًا ذا وظائف مضاعفة، يمهّد الطريق لحساسات أكثر دقة ورقائق إلكترونية أكثر كفاءة. ومن خلال هذا النهج غير التقليدي قد يتحول مفهوم العيب ذاته إلى سرّ قوة المادة المستقبلية.

ذو صلة