القمر يصدأ..…بفضل الرياح القادمة من الأرض

3 د
الدراسة تكشف أن الأرض قد تسبب صدأ القمر عبر جسيمات مؤينة.
العلماء وجدوا هيماتيت على القمر رغم عدم توفر ظروفه الطبيعية.
الرياح الأرضية تحمل أيونات تسربت من الغلاف الجوي إلى القمر.
المحاكاة المخبرية أكدت قدرة الرياح الأرضية على إحداث الصدأ.
التربة القمرية تسجل تفاعلات طويلة الأمد بين الأرض والقمر.
قد يبدو الأمر غريباً للوهلة الأولى: كيف يمكن لجسم خالٍ تقريباً من الغلاف الجوي والماء مثل القمر أن يُظهر آثار الصدأ؟ لكن دراسة حديثة نشرتها دورية **Geophysical Research Letters** تكشف أن الأرض نفسها قد تكون هي المسؤولة، عبر جسيمات مؤينة تدفعها نحو القمر وتترك بصمتها على تربته.
المفاجأة التي رصدها علماء الكواكب تعود إلى وجود **هيماتيت**، وهو أحد معادن الحديد المؤكسدة المعروفة بالصدأ. عادة ما يتكون هذا المعدن عندما يتفاعل الحديد مع الماء والأكسجين، غير أن بيئة القمر القاحلة لا توفر تلك الظروف. وهنا يدخل دور الأرض التي تُطلق في الفضاء جزيئات مصدرها غلافها الجوي، لتجد طريقها إلى سطح جارتها الفضية.
وهذا يربط بين الاكتشاف الحالي والفهم الأوسع للعلاقة الجيولوجية العميقة بين الأرض والقمر.
كيف يصل الأكسجين إلى سطح القمر؟
معظم الوقت، يغمر تدفق الجسيمات الشمسية – أو ما يُعرف بـ"الرياح الشمسية" – كلٍّ من الأرض والقمر. لكن خلال خمسة أيام تقريباً من كل شهر، تمر الأرض بين الشمس والقمر وتحجب تلك الجسيمات المشحونة. عندها يتلقى القمر ما يسمى بـ"الرياح الأرضية"، وهي تيار من الأيونات مثل **الأكسجين والنيتروجين والهيدروجين** التي تسربت من غلاف الأرض إلى الفضاء. هذه الجسيمات ترتطم بسطح القمر فتخترق طبقاته العليا وتُحدث تفاعلات كيميائية تغير من تركيب معادنه.
وهذا يربط بين الظاهرة المؤقتة لتشكل الرياح الأرضية، والملاحظات العلمية التي رصدتها بعثات فضائية مثل تشاندرايان-1 الهندية.
تجربة مخبرية تحاكي الفضاء
الدراسة الجديدة لم تتوقف عند الفرضيات النظرية، بل عمد فريق الباحث زِيليانغ جين إلى محاكاة الظروف في المختبر. استخدموا معجلات لتسريع أيونات الأكسجين والهيدروجين، ثم وجهوها نحو بلورات معدنية غنية بالحديد تشبه تلك المستخدمة في محاكاة تربة القمر. النتيجة كانت مباشرة: تشكلت طبقات من الهيماتيت، مما قدّم دليلاً عملياً على أن الرياح الأرضية قادرة بالفعل على "إصداء" سطح القمر عبر الزمن.
وهذا يربط بين الأدلة التجريبية والقطات المباشرة التي التقطتها الأقمار الاصطناعية عند أقطاب القمر.
القمر كمذكرات جيولوجية مشتركة
يشير العلماء إلى أن هذا الاكتشاف لا يُفسر فقط نشوء الصدأ القمري، بل يكشف عن سجل طويل من التفاعلات المتبادلة بين الأرض وقمرها. فالتربة القمرية تتحول إلى ما يشبه دفتر يوميات جيولوجي، يحتفظ بقصص الرياح الشمسية والرياح الأرضية، وربما حتى بتفاصيل كبيرة عن تطور غلافنا الجوي. وهذا يمنح الباحثين فرصة فريدة لفهم كيف يتأثر جسم سماوي تابع بكوكب مضيفه على مدى مليارات السنين.
خاتمة
إذن، القمر الذي اعتدنا النظر إليه كجسمٍ ساكن ميت، يروي لنا اليوم قصة خفية عن ارتباطه الدائم بالأرض. فالصدأ الذي يغطي بعض مناطقه ليس مجرد ظاهرة بصرية، بل شاهد على تواصل كوني عبر جسيمات دقيقة تحمل معها تاريخاً مشتركاً لا تزال البشرية بالكاد تقرأ فصوله الأولى.









