ذكاء اصطناعي

اليابان تبدأ أول اختبار فعلي لنقل الطاقة من الفضاء إلى الأرض!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تستعد اليابان لاختبار بث الطاقة الشمسية من الفضاء إلى الأرض عام 2025.

يستخدم مشروع "أوهيساما" قمراً صغيراً لتحويل أشعة الشمس إلى موجات ميكروية.

يهدف المشروع لتقليل اعتماد اليابان على واردات الطاقة وتحقيق استدامة أكبر.

تعمل اليابان على تقنيات دقيقة لعلاج تحديات توجيه الموجات الميكروية.

واجهت الطاقة الفضائية تحديات تقنية وتكاليف عالية، لكن اليابان تسعى لتجاوزها.

في خطوة جريئة قد تعيد رسم خريطة الطاقة العالمية، تستعد اليابان لإجراء تجربة فريدة من نوعها لبث الطاقة الشمسية من الفضاء مباشرة إلى الأرض، في مشروع يأمل العلماء أن يفتح الباب أمام عصر جديد من الطاقة النظيفة والمستمرة.

على إحدى هضاب مدينة "سووا" الهادئة في وسط اليابان، ينشغل مهندسون يابانيون بتركيب هوائيات دقيقة استعداداً لاستقبال إشارة ضعيفة لكنها تاريخية. فمن المقرر أن يدور في عام 2025 قمر صناعي صغير، بحجم غسالة منزلية تقريباً، على ارتفاع يصل إلى 400 كيلومتر فوق سطح الأرض، حيث يجمع أشعة الشمس ويحولها إلى موجات ميكروية قبل إرسالها إلى محطة استقبال أرضية.

وهذا التطور يربط بين طموحات اليابان في مجالي الفضاء والطاقة المتجددة، إذ يمثل مشروع **«أوهيساما»** – وتعني بالكلمة اليابانية "الشمس" – أول اختبار عملي للطاقة الشمسية الفضائية التي كانت حتى وقت قريب فكرة تقتصر على النظريات العلمية.


حلم الطاقة المستمرة من خارج الغلاف الجوي

فكرة تحويل ضوء الشمس في الفضاء إلى كهرباء ليست جديدة؛ فقد طرحها مهندس ناسا بيتر غلاسر عام 1968، لكنها ظلت بعيدة المنال لعقود بسبب تكلفتها وتعقيداتها التقنية. اليوم ومع التقدم في تقنيات النقل اللاسلكي وخفة المواد وانخفاض تكاليف الإطلاق بفضل شركات مثل «سبيس إكس»، يقترب المفهوم من التحقق الفعلي.
يعِد هذا الابتكار بإنتاج كهرباء متجددة على مدار الساعة، دون تأثر بالعوامل الجوية أو تعاقب الليل والنهار، وهو ما يعالج أبرز قيود المحطات الشمسية الأرضية التقليدية.

من هنا تنتقل التجربة اليابانية إلى بُعد أدق، إذ تعتمد على دقة توجيه الموجات الميكروية بزوايا لا تتجاوز أجزاء من ألف من الدرجة لضمان وصولها الآمن والدقيق إلى الهدف الأرضي، وهو تحدٍّ هندسي بالغ الصعوبة نظراً لحركة القمر الصناعي بسرعات تفوق 27 ألف كيلومتر في الساعة.

وهذا يقود إلى بعد استراتيجي مهم، إذ ترى الحكومة اليابانية في التقنية الجديدة وسيلة لتقليل الاعتماد على واردات الطاقة، والتي تشكل أكثر من 90% من احتياجاتها، خاصة بعد تداعيات كارثة فوكوشيما النووية في عام 2011، ما جعل البحث عن بدائل آمنة وذاتية أكثر إلحاحاً.


تاريخ طويل من الأبحاث الطموحة

تُعد وكالة الفضاء اليابانية **«جاكسا»** من أوائل المؤسسات التي خصصت أبحاثاً منتظمة للطاقة الشمسية الفضائية منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما أطلقت تجارب "مينِكس" وعمليات الإرسال المرحلي التجريبية في التسعينيات. وتواصل اليوم هذه الجهود من خلال خططها المستقبلية التي تنص على إنشاء محطات طاقة مدارية بقدرات تصل إلى جيغاواط خلال العقدين المقبلين.

وليس اليابانيون وحدهم في هذا السباق. ففي الولايات المتحدة، بدأ مختبر الأبحاث البحرية و«جامعة كاليفورنيا للتقنية» تجارب مماثلة لإثبات إمكانية نقل الكهرباء داخل الفضاء نفسه. ورغم اختلاف منهجيات هذه المشاريع بين دقة التوجيه وكفاءة التحويل والسلامة الإشعاعية، فإنها تتقاطع جميعاً عند هدف واحد: بناء شبكة طاقة نظيفة تدور حول الأرض.


تحديات وتطلعات المستقبل

لا تخلو الفكرة من العقبات. فحتى اليوم تشير التقديرات إلى أن كلفة توليد الطاقة من الفضاء قد تفوق نظيراتها الأرضية بعشر مرات، كما تستمر المخاوف بشأن سلامة استخدام الموجات الميكروية على نطاق واسع، رغم نتائج الدراسات التي تؤكد أنها لا تشكل خطراً عند المستويات التشغيلية المحددة.

ذو صلة

مع ذلك، يرى الخبراء أن الحجم الصغير التدريجي للمنظومات وتحسن كفاءة الإرسال قد يقللان التكلفة مستقبلاً ليصبح المشروع اقتصادياً مجدياً، خصوصاً في الدول التي تفتقر إلى مساحات كافية لإقامة مزارع طاقة شمسية أو تلك المعرضة للكوارث الطبيعية.

في المحصلة، يشكل مشروع «أوهيساما» الياباني أكثر من مجرد تجربة علمية، بل هو خطوة استراتيجية نحو تحرير الطاقة من قيود الأرض، ورؤية تتطلع إلى يوم يصبح فيه مدار الأرض نفسه مصدراً دائماً للضوء والطاقة.

ذو صلة