ذكاء اصطناعي

بعد 70 مليون سنة… لا يزال هذا الديناصور نائمًا في بيضته

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف العلماء جنين ديناصور داخل بيضة محفوظة منذ 70 مليون سنة بالصين.

ظلت البيضة مخزنة في متحف، إلى أن اكتشف فني وجود الجنين داخلها.

أظهر الجنين وضعية تشبه الطيور، مما يدعم نظرية التطور من الديناصورات.

ينتمي الجنين لفصيلة أوفيرابتوروصاورس، ما يؤكد الروابط بين الديناصورات والطيور.

يكشف الاكتشاف عن مراحل التطور الجنيني ويعزز فهمنا لمسار التطور الحيوي.

تخيل أن يخرج من قلب صخرة في جنوب الصين مشهد أقرب إلى لقطة زمنية متوقفة: جنين ديناصور لم يكتمل نموه بعد، محميّ داخل بيضته، كأنه ما زال يستعد للحظة الفقس. هذا الاكتشاف النادر، الذي أطلق العلماء عليه اسم “بيبي يينغليانغ”، يمثل إحدى أكثر اللقطات وضوحاً لتطور الديناصورات قبل الولادة، ويعيد طرح سؤال كبير: متى بدأت السلوكيات التي نربطها بالطيور الحديثة بالظهور فعلياً؟

وما يزيد من قيمة هذا الخبر أنه لا يكشف عن مجرد بقايا متحجرة، بل عن قصة مكتملة العناصر جمعت بين التشريح، السلوك، والروابط التطورية. وهذا يضعنا أمام أحد الاكتشافات التي تجسر الفجوة بين الماضي السحيق وعالم اليوم.


تفاصيل الاكتشاف


العلماء عثروا على الجنين داخل بيضة متحجرة قطرها نحو 17 سنتيمتراً، وقدروا عمرها بحوالي 70 مليون سنة، أي من أواخر العصر الطباشيري. اللافت أن الهيكل العظمي ظل متماسكاً ومتصل الأجزاء، وهو أمر نادر نظراً لأن العظام الدقيقة عادة ما تتفتت أو تتحرك بفعل الرواسب بعد الدفن. لكن هنا، الجنين ظل منحنياً في وضع يشبه تماماً وضعية “التقوّس” المعروفة لدى صغار الطيور قبيل الفقس.

وهذه الوضعية ليست مجرد مصادفة فيزيائية، بل هي مؤشر على أن الديناصورات تنبأت بسلوكيات الطيور قبل ملايين السنين. وهكذا يمهّد الاكتشاف لفهم أعمق لكيفية انتقال صفات كالريش أو المنقار أو حتى آليات الفقس من الديناصورات إلى الطيور.


علاقة الديناصورات بالطيور


ينتمي “بيبي يينغليانغ” إلى مجموعة الديناصورات المسماة أوفيرابتوروصاورس، وهي فصيلة ثيروبودية يكسو أجسامها الريش وتعيش في آسيا. ويدعم هذا الجنين المتجمد فرضية أن بعض السلوكيات العصبية، مثل حركة الرأس والجسد قبيل الولادة، لم تنشأ مع الطيور، بل ترجع جذورها إلى الديناصورات. باختصار، ما نراه اليوم في دجاجة أو عصفور عند الفقس هو صدى لسلوك قديم جداً عاش عبر الزمن.

ومن هنا تتضح الصلة العميقة: إذا كان الجنين قد أخذ وضعية تشبه الطيور قبل الفقس، فهذا يعني أن السيطرة العصبية على هذه الحركات بدأت قبل ظهور الطيور نفسها. وهذا يربط مباشرة بين الديناصورات وأسلاف الطيور الحديثة.


الأهمية العلمية المرتبطة بالجنين


العلماء يشيرون إلى أن المحافظة على الوضع الأصلي للهيكل تعطي فرصة نادرة لدراسة مراحل النمو الجنيني دون الحاجة إلى إعادة ترميم أو تخمين. كما أن هذا الاكتشاف يدعم فكرة أن التطور البيولوجي لم يكن قفزة مفاجئة، بل سلسلة خطوات تدريجية. كل جنين محفوظ بدقة يُمثّل دليلاً إضافياً يمكن أن يؤيد أو يناقض الفرضيات المتعلقة بتاريخ السلوكيات الحيوية.

وهنا يتسع النقاش إلى مستويات أبعد: إذا استطعنا رصد أوجه التشابه في بناء الهيكل وتطور الأعصاب بين الديناصورات والطيور، فإننا نحصل على دروس عن تطور الحياة نفسها، وعن الخطوط العميقة التي تصل بين الماضي والحاضر.


قصة البيضة من التخزين إلى الشهرة


المثير أن البيضة ظلت في مخازن متحف صيني لسنوات، قبل أن يلاحظ أحد الفنيين وجود عظام داخلها عبر شق في القشرة. تلك اللحظة البسيطة فتحت الباب لأبحاث موسعة ونشرت صور فريدة لما أصبح يُعد “لقطة ما قبل الميلاد لديناصور صغير”. واليوم، تُحفظ العينة في متحف يينغليانغ للتاريخ الطبيعي، حيث تتيح للباحثين مواصلة تحليلها باستخدام أحدث تقنيات التصوير.

وبهذا نجد أن ما بدأ كمجرد قطعة محفوظة في مستودع، تحول إلى دليل حي على سلوكيات خفية في عصور الديناصورات. وهذا يربط اللحظة الحاضرة بتاريخ الأرض ويعيد للعلماء شغف البحث في العمق.


خاتمة


ما يجعل “بيبي يينغليانغ” أكثر من مجرد اكتشاف أحفوري هو أنه يعطينا نافذة استثنائية على سلوكيات الحياة ما قبل 70 مليون سنة. من خلاله ندرك أن التطور كُتب بجمل صغيرة ومتتابعة، لا بالقفزات الكبرى فقط. إنه تذكير بأن ما يفعله فرخ صغير وهو يتهيأ لاقتحام قشرته، ليس مجرد حركة عفوية، بل إرث كامل وصل إلينا من عصور الديناصورات.

ذو صلة

ذو صلة