تعويذة أم أصل الحياة؟ اكتشاف صخرة خضراء قديمة يقلب فهمنا للبداية الأولى

3 د
الصخر الأخضر السربنتينيت قد يكون مفتاح فهم بداية الحياة على الأرض.
عملية "السربنتنة" تطلق تفاعلات كيميائية تولد الهيدروجين الجزيئي.
الهيدروجين الناتج يدعم الكائنات البدائية ويوفر بيئة لنشوء الحياة.
حقل "المدينة المفقودة" يُظهر تفاعلات السربنتنة وآلية توليد الحياة.
السربنتينيت يُستخدم حديثًا لامتصاص ثاني أكسيد الكربون لمكافحة الاحتباس الحراري.
كان يُنظر إلى حجر السربنتينيت لقرون بوصفه تميمة للحظ والحماية، لكن العلماء اليوم يكتشفون أن دوره ربما كان أعمق بكثير من مجرد الزينة. هذا الصخر الأخضر الذي يتكوّن في أعماق المحيطات قد يكون هو المفتاح لفهم كيف بدأت شرارة الحياة الأولى على كوكبنا، بل وربما يحمل حلولًا لمستقبل الأرض في مواجهة تغير المناخ.
من الأسطورة إلى العلم
يتكوّن السربنتينيت من تفاعل الصخور الغنية بمعادن الأوليفين مع مياه البحر في عملية تُعرف باسم “السربنتنة”. هذه العملية لا تنتج فقط منظراً جمالياً فريداً بل تطلق تفاعلات كيميائية تولّد الهيدروجين الجزيئي، وهو مصدر طاقة يمكن أن يدعم الكائنات الحية البدائية. ووفقاً لعدد من الدراسات الجيولوجية الحديثة، فإن هذه البيئة الغنية بالطاقة والمركّبات الكيميائية البسيطة كانت مثالية لنشوء الحياة الأولى منذ مليارات السنين.
وهذا يربط بين الاكتشافات الحديثة في جيولوجيا الأعماق والفرضيات حول كيفية نشوء الأنظمة الحيوية بدون ضوء الشمس.
الكيمياء التي أشعلت الشرارة الأولى
عندما يتفاعل الماء مع معادن مثل الفياليت داخل الصخور، تنطلق تفاعلات تنتج المغنتيت والكوارتز إلى جانب كميات من الهيدروجين. هذا الغاز النشط يوفر طاقة تدعم ميكروبات فريدة في أعماق البحار، حيث لا تصل أشعة الشمس. ويشير العلماء إلى أن هذه العملية كانت قادرة أيضاً على توليد مركبات عضوية أولية مثل “أسيتيل-كوإنزيم أ”، وهو جزيء أساسي في العمليات الحيوية الحديثة.
وبذلك يصبح السربنتينيت مثالاً نادراً على التقاء الجيولوجيا بالبيولوجيا في نقطة ميلاد الحياة.
مدن حرارية في الأعماق
ولمن يبحث عن دلائل حية على تلك العمليات القديمة، يمكنه النظر إلى حقل «المدينة المفقودة» الحراري في منتصف الأطلسي. فهنا، دون أية مصادر بركانية، تسخن المياه بفضل تفاعلات السربنتنة نفسها، لتندفع عبر مداخن ضخمة تغذي أنظمة ميكروبية مزدهرة. مواقع أخرى مثل براكين طين الماريانا تكشف قصصاً متشابهة عن حياة تنمو وسط ظروف قاسية، في توازن مذهل بين الكيمياء والحرارة والماء.
هذا الاكتشاف يؤكد أن كيمياء السربنتينيت ليست مجرد أثر من الماضي، بل عملية نشطة تواصل تشكيل الحياة في الحاضر.
من العقيدة القديمة إلى التكنولوجيا الحديثة
في العصور القديمة، اعتقد الإغريق أن لحجر السربنتينيت قدرة على درء لدغات الأفاعي، فيما استخدمه الإينويت في نحت الأدوات والمصابيح بفضل ليونته. لكن استخداماته في العصر الحديث تجاوزت المجال الرمزي إلى التطبيقات العملية، إذ يُستفاد من احتوائه العالي على الهيدروجين في تبطين المفاعلات النووية وامتصاص النيوترونات. كما تشير الأبحاث الحديثة إلى إمكانية استخدامه لامتصاص ثاني أكسيد الكربون، ما يجعله عنصراً واعداً في استراتيجيات مكافحة الاحتباس الحراري.
وهذا يربط بين التاريخ الثقافي للحجر وقدرته العلمية على حماية الكوكب ذاته.
خاتمة
من معابد الإغريق إلى مختبرات العلماء، يظل حجر السربنتينيت شاهداً على علاقة الإنسان بالأرض ومصدر إلهام لفهم أصل الحياة ومستقبلها. ففي كل مرة يُكتشف فيها هذا الصخر أو يُنحت أو يُدرس، نتعامل مع مادة تحمل في طيّاتها قصة البداية، وربما خيط النجاة لمستقبل بيئي أكثر توازناً.









